إثر نشوب الحرب العالمية الأولى عيّن الباب العالي جمال باشا المعروف "بالسفّاح" حاكمًا عسكريًا ومدنيًا على بلاد الشام، وقام بوضع نفسه في مواجهة الأحزاب الوطنية خصوصًا إثر فشل حملته على مصر. أسس جمال باشا ديوانًا للأحكام العرفية في دمشق وآخر شبيه له في عاليه، ثم أخذ ينفي وجهاء سوريا ولبنان إلى الأناضول ويبعد الفرق العربية في بلاد الشام وإحلال فرق تركية محلها تحاشيًا لانقلابها ضده في حال قيام ثورة. وأخيرًا أخذ ديوان الأحكام العرفية يصدر أحكام الإعدام بحق وجهاء الأحزاب والمنظمات الوطنية، وقد بلغ عدد أحكام الإعدام ثمانية وخمسين حكمًا، إلى جانب أحكام أخرى بالنفي أو السجن مدى الحياة.[95] وقد كانت كبرى قوافل الإعدام يوم 6 أيار/مايو 1916 حين أقدم جمال باشا على إعدام أربع عشرة شخصًا من وجهاء بيروت وسبعة من وجهاء دمشق.[96]
خارطة سايكس بيكو التي قسمت الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا عام 1916، كشفت عام 1917.
كان الرأي العام في سوريا يميل لإعلان الثورة على الدولة العثمانية، وكذلك كان رأي الشريف حسين بن علي أمير الحجاز بتشجيع من بريطانيا، وبنتيجة ذلك اندلعت الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران/يونيو 1916 بدعم الحلفاء، وأدت إلى خروج العثمانيين من دمشق يوم 1 أيلول/سبتمبر 1918 وسائر بلاد الشام، وتشكلت حكومة مؤقتة برئاسة علي رضا الركابي.[97] لم تف بريطانيا بوعودها مع الشريف حسين بن علي حول إقامة دولة عربية واحدة برئاسته، فطالبت الأحزاب والقوى الوطنية في سوريا بنظام ملكي دستوري، وفي غضون ذلك التأم المؤتمر السوري العام كأول برلمان سوري ضمن تسعين عضوًا، اثنان وخمسون منهم من سوريا الحالية وثمانية وثلاثون من الأردن ولبنان وفلسطين. أعلن المؤتمر استقلال سوريا (بحدودها الطبيعية التي تشمل الأقطار السورية الأربعة) ووحدتها تحت اسم المملكة السورية العربية، وبايع فيصل بن الحسين ملكًا وأقرّ دستورًا للبلاد في 8 آذار/مارس 1920،[98] ثم تشكلت حكومة دستورية برئاسة علي رضا الركابي.[99][100] وبنتيجة التجاذب بين الحكومة والمؤتمر السوري العام حول قبول الانتداب الفرنسي وفق مقررات مؤتمر سان ريمو استقالت حكومة الركابي وشكلت حكومة جديدة برئاسة هاشم الأتاسي في 3 أيار/مايو 1920. وحين وجه قائد الجيوش الفرنسية في شرق الجنرال هنري غورو لائحة مطالب للملك فيصل تشمل قبول الانتداب وسائر مقررات مؤتمر سان ريمو فضلاً عن حل الجيش، مهددًا إياه باحتلال سوريا في حال الرفض. وقد رفض المؤتمر السوري العام في جلسة عقدها يوم 15 تموز/يوليو 1920 إنذار غورو ثم عاد وقبل بها في 17 تموز/يوليو لضعف الجيش والحفاظ على الحكم الذاتي، كما أقرت الحكومة الانتداب رسميًا في 20 تموز/يوليو 1920، غير أن اضطرابات وحالة فلتان أمني أودت بخمسة وعشرين قتيلاً رافقت قرار حل الجيش، ودفعت الحكومة لإعلان نظام الطوارئ، في غضون ذلك اجتاز الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال غوابييه مجدل عنجر باتجاه دمشق، وشُكل جيشٌ من المتطوعين المدنيين في دمشق إلى جانب الجيش النظامي بهدف إبداء المقاومة ريثما يتوسط الحلفاء، واشتبك الطرفان في ميسلون يوم 24 تموز/يوليو 1920، وكان الجيش الفرنسي متفوقًا بالعدة والعديد على الجيش السوري بقيادة وزير الحربية يوسف العظمة فمني بهزيمة دخل على إثرها الجنرال غوابيه دمشق في 25 تموز/يوليو.[101] أما الملك فيصل فقد انتقل في دمشق إلى الكسوة حيث أقال وزارة الأتاسي بناءً على طلب الجنرال غوابيه وعهد إلى علاء الدين الدروبي تشكيل الوزارة، ثم غادر سوريا نهائيًا في 28 تموز/يوليو 1920 وبذلك انتهى عهد الاستقلال الأول.[102][103]
مظاهرة نسائية في دمشق عام 1939 مناهضة لفصل لواء اسكندرون عن البلاد.
في 1 أيلول/سبتمبر أعلن غورو تقسيم سوريا إلى أربع دول على أسس مذهبية، هي دول دمشق وحلب واللاذقية وجبل العرب إضافة إلى سنجق خاص هو لواء اسكندرون. ويضيف البعض من المؤرخين كل من دولة لبنان الكبير وإمارة شرق الأردن وفلسطين.[104] غير أن المظاهرات اندلعت في البلاد، ولعلّ أبرزها ثورتا صالح العلي وإبراهيم هنانو (ثورة الشمال السوري) فضلاً عن الإضراب العام في دمشق والذي أفضى إلى ميلاد الاتحاد السوري برئاسة صبحي بركات.
اندلعت الثورة السورية الكبرى من جبل العرب وامتدت إلى سائر المدن عام 1925، وتم التنسيق بين قيادات الثورة ومن ابرزهم صالح العلي وابراهيم هنانو وعينوا سلطان باشا الاطرش قائدا للثورة السورية الكبرى حيث دارت معارك طاحنة بين الثوار والفرنسيين ولم تفلح القوات الفرنسية أو السلطة السياسية ممثلة برئيس الاتحاد المنتخب أحمد نامي بك بقمعها، حتى أجريت انتخابات جمعية تأسيسية في 10 أبريل 1928 لوضع دستور للبلاد. ماطل الفرنسيون في نشر الدستور حتى 14 أيار/مايو 1930 وقد أفضى نشر الدستور إلى إجراء انتخابات نيابية ثم رئاسية أصبح بموجبها محمد علي عابد أول رئيس للجمهورية. عادت التظاهرات بإيعاز من إبراهيم هنانو في حلب، ثم كانت ذكرى الأربعين لوفاة هنانو في 21 كانون الأول/ديسمبر 1935 سببًا في انطلاق أكبر مظاهرات ضد الانتداب، تطالب بإقرار معاهدة مع فرنسا شبيهة بمعاهدة بريطانيا مع مصر والعراق، تنظم أوجه الانتداب وتحد من تدخلاته. سافر وفد سوري إلى باريس في 21 آذار/مارس 1936 لإجراء المفاوضات التي استمرت أشهرًا، وإثر نجاح الوفد في الوصول إلى صيغة معاهدة وعودته إلى سوريا، أعلن المفوض الفرنسي ضم دولتي جبل العرب واللاذقية نهائيًا لسوريا في 5 كانون الأول/ديسمبر 1936، واستنثى لواء اسكندرون، ثم جرت انتخابات نيابية ورئاسية أصبح بموجبها هاشم الأتاسي رئيسًا للجمهورية.[105]
صعدت قضية لواء اسكندرونة إلى السطح وتأخرت فرنسا في التصديق على المعاهدة مع سوريا، فاستقالت الحكومة برئاسة جميل مردم بك وبعدها بعشرين يومًا فقط استقالة الحكومة الثانية برئاسة لطفي الحفار وفي 4 تموز/يوليو 1939 استقالت الحكومة الثالثة برئاسة نصوح البخاري ثم استقال الرئيس في 7 تموز/يوليو، بعد إعلان فرنسا سحب جيوشها من لواء اسكندرون، فانتشر الجيش التركي فيه، ويضع عدد كبير من المؤرخين الخطوة الفرنسية كجائزة ترضية لتركيا لقاء تحييدها عن التحالف مع المحور في الحرب العالمية الثانية.[106] إثر استقالة الأتاسي أعلن المفوض الفرنسي تعليق العمل بالدستور، وكان انهيار فرنسا سببًا في تعليق العمل بالدستور حتى 1941 حين دخلت قوات حكومة فيشي إلى سوريا معلنة استقلال البلاد، وعين تاج الدين الحسني رئيسًا للجمهورية، ثم جرت انتخابات نيابية ورئاسية أصبح شكري القوتلي بموجبها رئيسًا عام 1943. غير أن فرنسا لم تسحب قواتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 بل عمدت يوم 29 أيار/مايو منه إلى قصف الأحياء الشعبية ومبنى البرلمان بالمدفعية. رفعت القضية إلى مجلس الأمن الدولي ودعمت بريطانيا مطالب الوطنيين، وأدى ذلك إلى إعلان جلاء القوات الفرنسية في 17 نيسان/أبريل 1946، وكانت سوريا قد وقعت عام 1945 على ميثاقي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة.[107]
كانت فترة الاحتلال والانتداب الفرنسي على سوريا أليمة، فقد أدت إلى تقلص مساحة سوريا إلى أقل من نصف ما كانت عليه عام 1920. فقد أعطت فرنسا الأقاليم السورية الشمالية إلى تركيا في معاهدة لوزان المعدلة لمعاهدة سيفر التي أنهت الحرب العالمية الأولى ووضعت الحدود بين تركيا وجيرانها. إضافة إلى ذلك، سلمت فرنسا لواء اسكندرون إلى تركيا عام 1939، ثم قسمت بالتعاون مع بريطانيا (عملا باتفاقية سايكس-بيكو) ما تبقى من أراض إلى أربع دويلات هي إضافة إلى سوريا لبنان وشرق الأردن وفلسطين.
دبابات سورية من طراز تي-62 تعتبر الجولان، خلال حرب أكتوبر 1973.
أثرت حرب 1948 على الاستقرار السياسي في سوريا وتمثل ذلك بتتالي ثلاثة انقلابات عسكرية عام 1949، ولم تعد الحياة الدستورية حتى عام 1954 حين تنازل قائد الانقلاب الثالث أديب الشيشكلي عن الحكم تحت ضغط الجيش. شكلت المرحلة اللاحقة تقاربًا سوريًا من المعسكر الاشتراكي خلال الحرب الباردة تمثل بمقارعة حلف بغداد وتوقيع اتفاق التعاون الفني والاقتصادي والعسكري مع الاتحاد السوفيتي في آب/أغسطس عام 1957، فضلاً عن التحالف مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر، والذي أفضى إلى ميلاد الاتحاد بين البلدين في شباط/فبراير 1958 تحت مسمّى الجمهورية العربية المتحدة، ولكن انقلابا عسكرياً في سوريا بقيادة عبد الكريم النحلاوي أسفر عن انسحاب سوريا من الوحدة عام 1961. وفي إثر ذلك اندلع الجدل بين الأحزاب الإقطاعية والأحزاب الاشتراكية داخل البلاد، وتأزم الوضع إثر رجوع الحكومة عن عدد من الإصلاحات الاقتصادية التي تحققت خلال عهد الوحدة أبرزها قانون الإصلاح الزراعي المتعلق بملكية الفلاحين لأراضيهم. الجدال بين الطرفين انتهى بقيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي أعاد الإصلاحات الاقتصادية وطورها، وأبرم اتفاقيات التعاون العسكري مع مصر وعدد من الدول العربية الأخرى كالعراق والأردن والمملكة العربية السعودية، ما شكل دافعًا لإسرائيل لقيامها بحرب 1967 والتي خسرت فيها سوريا الجولان.[107][108]
قامت الحركة التصحيحية في تشرين الثاني/نوفمبر 1970، وفي شباط/فبراير 1971 انتـُخب مجلس الشعب الجديد المكون من 173 نائبًا، ورشّح حافظ الأسد الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع لمنصب رئيس الجمهورية، وصادق الشعب في استفتاء عام أجري في 21 آذار/مارس 1971 على انتخاب الرئيس الأسد، والذي وضع دستور سوريا الدائم عام 1973 وشكل الجبهة الوطنية التقدمية التي حوت ممثلين عن الأحزاب الناشطة في سوريا، وتعاون مع مصر في حرب تشرين والتي تلتها حرب الاستنزاف عام 1974 وبموجبها استعادت الجمهورية القنيطرة عاصمة الجولان. كما شهدت تلك الفترة التدخل في الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 بناءً على تفويض جامعة الدول العربية. ولعلّ أبرز ما ميّز تلك الفترة الاهتمام بالناحية الاقتصادية، فقد بنيت المصانع والمنشآت الضخمة كبحيرة الأسد وجامعتي تشرين والبعث، ومحاربة الأمية، وتأميم أغلب المصانع والشركات الكبرى، والتنقيب عن النفط وغيره من الثروات الباطنية، والسعي للتنمية الزراعية فضلاً عن إقامة سكك الحديد وإعادة تأهيل البنية التحتية.[107] وقد أعيد انتخاب الرئيس الأسد لأربع دورات، وإثر وفاته عام 2000 أصبح ابنه بشار الأسد رئيسًا وحصل على ولاية ثانية في استفتاء عام 2007.