ان الحياة ليست (غدواً ورواحاً) كما يراها الفيلسوف الألماني (نيتشه) والتي تمتلئ وتخلو كالساعة ولا هدف لها اكثر من ذلك. وليست لحظة للاستمتاع الآني كما يراها الشاعر عمر الخيام الذي يقول: ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها ذلك لأن الحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية التي تقطف فيها ثمرات الأعمال في الحياة الدنيا خيراً كانت ام شراً وهذا يقوم على نظرية ان اعمال الانسان يتم حفظها وتسجيلها بصفة دائمة ومستمرة حيث تعتبر حركاتنا وسكناتنا مشاهد تصويرية تصور على شاشة الكون لتعرض في الوقت المطلوب وهي في سجل كامل يسجل في كتاب تحصى فيه اعمالنا جميعها وهاتان الصورتان واضحتان في كتاب الله تعالى تمام الوضوح حيث يقول المولى تبارك وتعالى (وأخرجت الأرض أثقالها وقال الانسان مالها يومئذ تحدث أخبارها) ويقول تعالى ( وقالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احداً). فالانسان محاصر بهاتين الصورتين وكل تصرفاته بابعادها الثلاثة، بعد النية وبعد القول وبعد العمل كل تلك الابعاد مشمولة بالاحصاء والتدوين وصدق الله العظيم القائل ( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) والحركات التي تصدر من كل اعضائنا تسجل في الاثير بكل تفصيلاتها لعرضها في اي وقت من الاوقات فالنيات مثلاُ وهي تلك الخواطر والافكار سرعان ما ننساها فيبدو لنا انها قد ولت وانتهت لكننا وبعد فترات متفاوتة تعود لنا عن طريق الرؤى او في حالات الجنون والهستيريا دون ان ندرك شيئاً منها وهذه الوقائع التي تثبت ان العقل او الشعور ليسا هما الحافظان لجميع أفكارنا وانما هناك جوانب اخرى تبقى وراء هاتين الحافظتين، لقد اثبتت التجارب العلمية ان الشخصية الانسانية لا تنحصر فيما نسميه ( الشعور) بل هناك أجزاء اخرى من الشخصية الانسانية تبقى وراء الشعور يسميها فرويد (ما تحت الشعور) او (اللاشعور) وهذه الاجزاء تشكل جانباً كبيراً من شخصيتنا بل هي الجانب الاكبر منها، ومثلها كمثل جبل من الجليد في اعالي البحار اجزاؤه الثمانية مستكنة تحت الماء، علىحين لا يطفو منه الا الجزء الصغير فتلك الاجزاء التي تحت الماء هي ما نسميه بالنسبة للشخصية بـ(تحت الشعور) تلك الاجزاء هي التي يسجل ويحفظ كل ما نفكر فيه او ننويه. وقد سلم علماء النفس بأن كل ما يخطر على بال الانسان من الخير والشر ينقش في صحيفة اللاشعور ولايزال كذلك إلى الابد ولا يؤثر فيه تغير الزمان او تقلب الحدثان ومصداق ذلك في كتاب الله واضحاً حيث يقول تعالى (ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد) ويقول تعالى (وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله). اما بالنسبة لما يصدر منا من اقوال فلا غرابة في احصائها علينا وتسجيلها حيث ثبت علمياً ان حركة السنتنا هي حركة لموجات الاثير في الهواء وثبت علمياً ان هذه الموجات في الاثير تبقى إلى الابد بعد صدورها ويمكن اعادتها في اي وقت مع ان العلم عاجز في اختراع آلة تفرق بين اصوات الزمن القديم لكن ذلك ليس مستحيلاً ولو حدث ذلك لكانت حقيقة الآخرة لدى الماديين المفكرين لها حجة دامغة عليهم ولنضرب على ذلك بمثال لتقريب هذه الحقيقة للاذهان، عندما كان الدكتور مصدق رئيس وزراء ايران الاسبق مسجوناً اثناء محاكمته عام 1953م فقد ركبت آلة للتسجيل تتحرك آلياً، وسجلت هذه الآلة كل ما نطق به الدكتور مصدق في غرفته وقد عرضوا اشرطة التسجيل أمام المحكمة شهادة عليه لادانته وهذه الحالة هي حالة رصد لاقواله السابقة فكيف يستبعد المنكرون امكان حفظ اقوالنا وعرضها علينا في محكمة الآخرة.
الموضوع ذات صلة بـ منتديات عالم الرومانسية:
http://forum.roro44.com/36815.html#ixzz1fxHt8pcO