حكم الضرب بالدف في الأعراس للرجال
تقرر في المطلب السابق مشروعية الضرب بالدف في الأعراس، وأن ذلك – أعني المشروعية – موضع اتفاق بين الفقهاء لكن هذا الاتفاق وقع على مشروعية ضرب الدف للنساء والجواري.
أما ضرب الدف للرجال فقد اختلف فيه الفقهاء على قولين:
القول الأول: المنع.
وبه قال اصبغ من المالكية، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي (18), وقال جمهور الحنفية والحنابلة بالكراهة (19).
الأدلة:
1. أن الضرب بالدف من أعمال النساء، وفي ضرب الرجال به تشبه بهن فيكون ممنوعاً (20).
وقد اعترض على هذا الاستدلال: بأن الأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشرع فيه بالفرقة بينهم، ولم يرد هنا شيء، وليس ضرب الدف مما يختص بالنساء حتى يقال: يحرم على الرجال التشبه بهن فيه (21).
2. أنه لم يحفظ عن أحد من رجال السلف أنه ضرب به، كما أن الأحاديث والآثار إنما وردت في ضرب النساء والجواري به، فقد يكون سكوت الجمهور عن بيانه لدلالة الأخبار على أنه في العادة من أعمال النساء (22).
ويمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال:
بأنه لا يلزم من عدم ضرب أحد من السلف به أنه غير جائز فإن الضرب بالدف لا يفعله في العادة أهل الهيئات حتى من النساء. والله أعلم
القول الثاني: جواز الضرب بالدف للرجال.
وإليه ذهب جمهور المالكية، وأكثر أصحاب الشافعي، وهو ظاهر كلام أحمد وجمع من أصحابه (23).
دليلهم:
عموم الأحاديث الواردة في جواز الدف والأمر به وبعضها ورد الأمر فيه للرجال، كحديث (أعلنوا النكاح وأضربوا عليه بالغربال) (24).
فدل ذلك على شمول جواز الضرب للرجال والنساء (25).
واعترض على هذا الاستدلال بأن الخطاب إنما كان للرجال لأنهم هم الذين بيدهم عقدة النكاح، فأمروا بإظهار النكاح ليتميز عن نكاح السر، ويكون المقصود بأمرهم بضرب الدف عليه، أن يأمروا النساء والجواري بالقيام بذلك لا أن يضربوا بأنفسهم(26).
ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض: بأنه خلاف الظاهر, فالأصل أن النصوص عامة للرجال والنساء إلا ما دل الدليل على خلافه, ولا دليل هنا, ولو كان خاصاً بالنساء لما ترك دون بيان. والله أعلم.
الترجيح:
يظهر لي – والله أعلم – رجحان القول الثاني لوجاهة دليلهم، حيث بنوا على الأصل من عموم الخطاب للرجال والنساء, وما ذكره أصحاب القول الأول من كون الضرب بالدف من شأن النساء مطلقاً غير مسلّم, فإن الأعراف تختلف, وبعض البلدان لا يضرب فيها النساء بالدف, وإنما الذي يتولى ضربه الرجال فلا تشبّه حينئذ. والله أعلم