في مارس / آذار 1896 م، زحفت الجيوش المصرية إلى السودان تحت قيادة القائد البريطاني لورد هربرت كتشنر لإعادة استعماره تحت التاجين المصري والبريطاني. وسقطت أم درمان عاصمة الدولة المهدية في سنة 1898 م، وتم وضع السودان تحت إدارة حكم ثنائي بموجب اتفاقية عام 1899 م ،بين إنجلترا ومصر التي نصت على أن يكون على رأس الإدارة العسكرية والمدنية في السودان حاكما عاما انجليزياً ترشحه حكومة إنجلترا ويعينه خديوي مصر. ويتمتع الحاكم العام بسلطات مطلقة في تنظيم الإدارة في السودان وغيرها من الأعمال التي يراها ضرورية لحكمه. ومع بداية الحكم الثنائي بدأت مرحلة جديدة في إدارة السودان تميزت بمركزية السلطة في بداية الأمر، ثم تدرجت إلى أسلوب الحكم غير المباشر (الحكم عن طريق الإدارة الأهلية) وعزز هذه الفكرة ما ساد الإدارة الاستعمارية من اعتقاد ارتكز علي ان الحكم البيروقراطي المركزي غير مناسب لحكم السودان. وصدر في عام 1951 م، قانون الحكم المحلي، الذي كان ايذاناً بتطبيق نظام للحكم المحلي.[25]
أبرز ما تميز به الحكم الثنائي هو تبنيه لسياسات تهدف إلى تفريق السودان، إذ عمدت إدارة الحكم الثنائي إلى إصدار ما عرف بقانون المناطق المقفولة والذي حددت بمقتضاه مناطق في السودان يحرم على الأجانب والسودانيين دخولها أو الإقامة فيها دون تصريح رسمي. وشمل القانون 7 مناطق متفرقة من السودان : دارفور وبحر الغزال ومنقلا والسوباط ومركز بيببور ـ وهي مناطق تقع في جنوب السودان بالإضافة إلى مناطق في كردفان وجبال النوبة وشمال السودان ومن مظاهر ذلك القانون حرمان السوداني الشمالي من إنشاء المدارس في الجنوب إذا سمح له بالإقامة فيها. وإذا تزوج بإمرأة جنوبية فلا يستطيع أخذ اطفاله عند عودته إلى شمال السودان.[26].
وفي عام 1922 م، انحصر قانون المناطق المغلقة على جنوب السودان. وصدرت في عام 1930 م، توجيهات وأحكام هدفها منع التجار الشماليين من الاستيطان في الجنوب ووقف المد الثقافي العربي وا لدين الإسلامي من الانتشار في جنوب السودان، بل أن ارتداء الأزياء العربية التقليدية كالجلباب والعمامة كان محظورا على الجنوبيين. هذه السياسة التي وصفها أنتوني سايلفستر بالأبارتهيد Apartheid الجنوبي تم التخلي عنها فجأة بعد الحرب العالمية الثانية أي بنهاية عام 1946 م، وطلب من الجنوبيين أن يعدوا أنفسهم للعيش في السودان الموحد الذي لاح استقلاله في الأفق. وبحلول عام 1950 م، سمح للأداريين الشماليين ولأول مرة بدخول الجنوب وتم ادخال تعليم اللغة العربية في مدارس الجنوب ورفع الحظر عن الدعوة الإسلامية [27].