بعض الأدلة علي تحريم زواج المتعة عند أهل السنة والجماعة
يري أهل السنة والجماعة حرمة زواج المتعة، وهنا نسرد بعض التفصيل نقلا عن كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية "منهاج السنة النبوية في الرد علي الرافضة والقدرية".
أولا : عدم وجود نص صريح في القرآن بحل زواج المتعة [13]
وأما متعة النساء المتنازع فيها، فليس في الاية نص صريح بحلها فإن الله قال: "وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات".[6]
فقول الله تعالي: "فما استمتعتم به منهن [6]" يتناول كل من دخل بها من النساء، فإنه أمر بأن يعطي جميع الصداق بخلاف المطلقة قبل الدخول التي لم يستمتع بها فإنها لا تستحق إلا نصفه وهذا كقول الله تعالي: "وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلي بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا [14]" فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق يبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معني بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولي فلا بد أن تدل الاية علي المؤبد إما بطريق التخصيص وإما بطريق العموم يدل علي ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح الإماء فعلم أن ما ذكر كان في نكاح الحرائر مطلقا.
فإن قيل ففي قراءة طائفة من السلف "فما استمتعتم به منهن إلي أجل مسمي"، قيل أولا: ليست هذه القراءة متواترة وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام لكن الكلام في دلالة القرآن علي ذلك، الثاني: أن يقال هذا الحرف إن كان نزل فلا ريب أنه ليس ثابتا من القراءة المشهورة فيكون منسوخا ويكون نزوله لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخ هذا الحرف ويكون الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيها علي الإيتاء في النكاح المطلق، وغاية ما يقال إنهما قراءتان وكلاهما حق والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلي أجل مسمي واجب إذا كان ذلك حلالا، وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلي أجل مسمي حلالا، وهذا كان في أول الإسلام. فليس في الاية ما يدل علي أن الاستمتاع بها إلي أجل مسمي حلال، فإنه لم يقل "وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلي أجل مسمي" بل قال: "فما استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن" فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع سواء كان حلالا أو كان في وطء شبهة، ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق والمتمتع إذا إعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الايه فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا ولا مهر فيه وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور.
ثانيا: زواج المتعة حرمه محمد وليس عمر بن الخطاب [13]
وأما ما ذكره عالم شيعي يرد عليه ابن تيمية من نهي عمر عن متعة النساء، فقد ثبت عن النبي أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب أنه قال لابن عباس لما أباح المتعة إنك إمرؤ تائه إن رسول الله صلي الله عليه وسلم حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر، رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها أئمة الإسلام في زمنهم مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق المسلمون علي علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقي بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه.
وكذلك ثبت في الصحيح أن الرسول حرمها في غزاة الفتح إلي يوم القيامة.
وقد تنازع رواة حديث علي، هل قوله عام خيبر توقيت لتحريم الحمر فقط أو له ولتحريم المتعة، فالأول قول ابن عيينة وغيره قالوا إنما حرمت عام الفتح، ومن قال بالاخر قال إنها حرمت ثم أحلت ثم حرمت، وادعت طائفة ثالثة أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع.
ثالثا : المسمتع بها ليست زوجة ولا ملك يمين، فإن الله إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، بينما المتمتع بها ليست واحدة منهما. [15]
أما كونها ليست مملوكة فظاهر.
وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح كونه سببا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه والطلاق الثلاث وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول وغير ذلك من اللوازم.
فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ولوجبت عليها عدة الوفاة ولحقها الطلاق الثلاث فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله، فلما انتفي عنها لوازم النكاح دل علي انتفاء النكاح فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم والله إنما أباح في كتابه الأزواج وملك اليمين وحرم ما زاد علي ذلك بقول الله تعالي : "والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهن فأنهم غير ملومين فمن ابتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون [16] ". والمسمتع بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين فتكون حراما بنص القران.
رابعا: فإن قيل فقد تكون المستمتع بها زوجة لا ترث كالذمية والأمة: [17]
فأما نكاح الذمية، فإنه عندهم [أي عند الطائفة الإثناعشرية ] جائز.
وأما نكاح الأمة، فإن نكاح الأمة إنما يكون عند الضرورة وهم أي الطائفة الإثناعشرية يبيحون المتعة مطلقا.
ثم يقال نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث ولكن المانع قائم وهو الرق والكفر، كما أن النسب سبب للإرث إلا إذا كان الولد رقيقا أو كافرا فالمانع قائم، ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه في حياته، وكذلك الزوجة الذمية إذا أسلمت في حياة زوجها ورثته باتفاق المسلمين.
بخلاف المستمتع بها فإن نفس نكاحها لا يكون سببا للإرث فلا يثبت التوارث فيه بحال، فإن قيل فالنسب قد تتبعض أحكامه فكذلك النكاح، قيل هذا فيه نزاع والجمهور يسلمونه ولكن ليس في هذا حجة لهم فإن جميع أحكام الزوجية منتفية في المستمتع بها لم يثبت فيها شيء من خصائص النكاح الحلال فعلم انتفاء كونها زوجة وما ثبت فيها من الأحكام مثل لحوق النسب ووجوب الاستبراء ودرء الحد ووجوب المهر ونحو ذلك فهذا يثبت في وطء الشبهة فعلم أن وطء المستمتع بها ليس وطئا لزوجة لكنه مع اعتقاد الحل مثل وطء الشبهة وأما كون الوطء به حلالا فهذا مورد النزاع فلا يحتج به أحد المتنازعين وإنما يحتج علي الاخر بموارد النص والإجماع.