التطورات السياسية والعلاقات العربية والإقليمية لدول الخليج في عام .. 2003
لمشاهدة الصورة بحجم اكبر إضغط علي الصورة
* إبراهيم غرايبة
يرصد هذا التقرير الذي يصدر عن مركز الخليج للأبحاث الأحداث والتطورات في منطقة الخليج ويحللها، ويستشرف المستقبل في مجموعة من الاتجاهات والمحاور هي: التطورات السياسية والداخلية، والمجتمع، والنفط والغاز، والاقتصاد غير النفطي، والأمن والدفاع، والعلاقات الخليجية البينية، والعلاقات العربية والإقليمية والدولية لدول المجلس، وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي.
التطورات السياسية في دول المجلس
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تطورات سياسية مهمة شملت تعديلات دستورية، وإجراء انتخابات نيابية وبلدية، وحالات انفتاح سياسي غير مسبوقة، وزيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة، وإجراء حوار سياسي وديني يستند إلى مبدأ التسامح.
وبغض النظر عن الأسباب التي دعت إلى عملية الإصلاح السياسي في دول المجلس، فقد تكونت قناعات جديدة شعبية ورسمية بضرورة الإصلاح وأهميته واعتباره المدخل الرئيسي لتجديد أسس الشرعية السياسية، وصياغة عقد اجتماعي جديد بين الحكام والمحكومين، بما يسهم في تعزيز المشاركة الشعبية في الشأن العام، وتقوية مؤسسات المجتمع المدني، وتحديث أجهزة الدولة ومؤسساتها على النحو الذي يجعلها مؤهلة للتعامل مع تحديات مرحلة ما بعد الطفرة النفطية واستحقاقات عصر العولمة.
وفي ظل المتغيرات الحالية ونظرا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية في بعض دول الخليج، فمن المتوقع أن يتحول الشباب الخليجيون إلى تبني أهداف تهتم بقيم مثل حرية التعبير، والمشاركة السياسية، والمعارضة السياسية الخليجية ضعيفة التنظيم، وتعتمد على الدعوة إلى الإصلاح، والممارسات السلمية.
والنمط السائد للمعارضة الخليجية هو النمط الاجتماعي القائم على الاتصالات الشخصية مع الحكام عبر حضور المجالس التي تجمع في العادة بين الحكام وأعيان المجتمع، وتشكل فرصة سانحة للتداول في القضايا العامة. وهناك نمط آخر يتمثل في التنظيمات والجمعيات السياسية في بعض الدول الخليجية مثل الكويت والبحرين.
وتتزامن النزعة إلى تشكيل أحزاب وكيانات معارضة سياسية مع الكثير من المتغيرات المتمثلة في ارتفاع معدلات التعليم كما ونوعا، وتنامي بعض المشكلات الاقتصادية. ويسود المعارضة توجه نحو الضغط لإدخال الإصلاحات مع بقاء الأسر الحاكمة، وهي في هذا تنتهج التدرج في التطور السياسي.
المجتمعات الخليجية
"
تتزامن النزعة في الخليج إلى تشكيل أحزاب وكيانات معارضة سياسية مع الكثير من المتغيرات المتمثلة في ارتفاع معدلات التعليم، وتنامي بعض المشكلات الاقتصادية، وتزايد الضغط لإدخال الإصلاحات مع بقاء الأسر الحاكمة
"
يركز التقرير في هذا المجال على ثلاث قضايا هي: واقع التركيبة السكانية، وحالة المجتمع المدني، وواقع المرأة. ويبدو أن ثمة خللا كبيرا في التركيبة السكانية في الكويت والإمارات وقطر، فقد بلغت نسبة غير المواطنين في الإمارات 76.6% من السكان، وفي قطر 72.9%، وفي الكويت 61.9%.
ويلاحظ أيضا أن المجتمعات الخليجية مجتمعات فتية بسبب ارتفاع نسبة الأطفال والشباب إلى إجمالي عدد السكان، وهو أمر له انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المستقبل، وبخاصة مع تنامي ظاهرة البطالة.
ويرصد التقرير الواقع الراهن لمنظمات المجتمع المدني في دول المجلس، النسوية والخيرية والمهنية والثقافية والدينية، والنقابات والاتحادات العمالية، ويظهر أن المجتمع المدني من حيث طبيعته وتأثيره يتفاوت في ذلك من دولة إلى أخرى حسب خبرتها التاريخية وظروف تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وقد بلغ عدد مؤسسات المجتمع المدني في دول المجلس 37 جمعية خيرية، و84 جمعية مهنية، و69 جمعية نسوية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورا في مجال مشاركة المرأة على صعيد الأطر الدستورية والقانونية والممارسات العملية، فحصلت المرأة على حق الترشيح والتصويت في عمان وقطر والبحرين، وخاضت المعترك الانتخابي. ولكن فرص المرأة في التمكين السياسي مازالت ضعيفة مهما دعتها النخب الحاكمة، فتجد صعوبة في تمرير قناعتها عبر صناديق الانتخابات، ولم يبق أمامها كما يبدو إلا فرض تلك الرؤى عبر نظام الكوتا أو التعيين كمخرج مرحلي من تأثير الموروث الاجتماعي المعيق لدور فاعل للمرأة في الحياة السياسية.
ومن ثم فإن الدور السياسي للمرأة يعتمد على رغبة وقدرة الأنظمة السياسية في دول الخليج، ودرجة نمو الوعي السياسي لدى المرأة الخليجية، ومدى تغير نظرة المجتمع الخليجي للمرأة ودورها في الحياة العامة، ومدى قدرة المرأة على تنظيم نفسها في بناء مؤسسي يدافع عن قضاياها وحقوقها، والعوامل الخارجية الدافعة نحو تغيير الوضع القائم للمرأة.
النفط والغاز
يبدو أن قرار الولايات المتحدة احتلال العراق جاء مدفوعا بالرغبة في النفط، وفي تكريس الهيمنة من خلال توسيع القوة العسكرية والاقتصادية الأميركية, فالنفط ونشر القوة العسكرية حول العالم يعتبران أهم هدفين إستراتيجيين دفعت إدارة الرئيس بوش الحالية نحو غزو العراق لتحقيقهما. ولكن لم يكن الهدف المباشر هو النفط العراقي بقدر ما يتعلق بالدور الأميركي وبالسيطرة على قطاع النفط، وكذلك بالقدرة على فرض أسعار النفط في السوق العالمية.
إن أغلب الدراسات تشير إلى أن احتياجات العالم من النفط ستبلغ عام 2020 حوالي 112 مليون برميل، وأن ست دول فقط هي السعودية وإيران والعراق والكويت والإمارات وفنزويلا سيكون بإمكانها تلبية هذا الطلب. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط في العالم، فبينما يبلغ معدل استهلاك المواطن الأميركي من النفط 28 برميلا في اليوم لا يتجاوز معدل استهلاك النفط في الصين برميلين يوميا لكل مواطن صيني.
وفي تقرير لديك تشيني نشر في أميركا عام 2001 أن النفط الذي تستورده الولايات المتحدة سيرتفع من 10.4 ملايين برميل يوميا إلى 16.7 مليون برميل عام 2020. وأكد التقرير على الحاجة إلى سياسة خارجية ثابتة بإمكانها توفير الحماية لإمدادات الطاقة الأميركية لحماية الأمن والاقتصاد الأميركيين.
والاحتياطات النفطية في العراق والكويت والإمارات ستدوم أطول من الاحتياطيات في أي بلد آخر، وبلا شك فإن السيطرة على نفط العراق سيوفر للولايات المتحدة نفوذا كبيرا على أسواق النفط العالمية. فزيادة الإنتاج العراقي للنفط ستغرق الأسواق العالمية وتدفع الأسعار إلى الانخفاض، مما يؤثر على الإنتاج الروسي للنفط لأن تكلفة الإنتاج فيها مرتفعة.
"
يرى كبار المسؤولين الأميركيين أن العراق سيعوض المملكة السعودية -ولو جزئيا- في قلب الإستراتيجيات الأميركية النفطية والعسكرية في المنطقة، ويوفر لها النفوذ لحماية مصالحها ومصالح حلفائها
"
وسيفتح نجاح الحملة الأميركية على العراق باب الثراء أمام شركات النفط الأميركية التي أبعدت من العراق فترة طويلة، وستتعثر الصفقات بين بغداد وكل من فرنسا وروسيا وألمانيا. ويعتقد كثيرون في الإدارة الأميركية بأنه على المدى الطويل سيعوض عراق ما بعد الحرب الهيمنة السعودية على أسعار النفط، وسيهمش تأثير محتكري أوبك بقيادة السعودية.
ويرى كبار المسؤولين الأميركيين أن العراق سيعوض المملكة العربية السعودية -ولو جزئيا- في قلب الإستراتيجيات الأميركية النفطية والعسكرية في المنطقة، وتكمن أهمية النفط العراقي في أنه يوفر للولايات المتحدة النفوذ لحماية مصالحها ومصالح حلفائها.
إن ارتباطات إدارة بوش بمشاريع النفط والغاز ليست واسعة فقط، بل هي متجذرة ومتغلغلة، فمن القمة إلى القاعدة يبدو الجميع متورطا في مشاريع النفط، والكل يحمل الرؤى نفسها حول أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة وبقية الدول الصناعية، ولا يمكن أبدا فهم أي صراع من خلال النظر إلى عامل واحد فقط، ولكن فهم أبعاد سياسة النفط ينير الحقائق التي تغيب عادة تحت غبار المعركة, فمن الواضح أن النفط يلعب دورا رئيسيا في تحريك سياسات بوش وإدارته ومسانديهم.
فالعراق يمتلك ثاني أكبر احتياطي من النفط في العالم، وهذا أمر مهم بالنسبة لتسهيل عملية النمو في الاقتصاد العالمي، ويمثل النفط بالتأكيد المصلحة الحيوية على المدى الطويل بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا واليابان في منطقة الخليج العربي.
وتمتلك السعودية أكبر احتياطي للنفط في العالم، وبسبب قرب العراق من المملكة فإن الولايات المتحدة تعتبر موقعه حساسا ومهما على نحو إستراتيجي. ويبدو أن شركات النفط الأميركية أكبر مستفيد من تغيير النظام في العراق. وأخيرا فإن العراق يستهلك ربع الإنتاج العالمي من النفط، مما يجعله الدولة الأولى في العالم في استهلاك النفط.
وتخشى الولايات المتحدة أن تغير البلدان المنتجة للنفط عملة تداولها من الدولار إلى اليورو، وهذا التصرف من شأنه أن يلحق أضرارا كبيرة بالاقتصاد الأميركي، ويزعزع موقع الولايات المتحدة كقوة عالمية وقائدة للعالم، ويهدد كذلك صناعة النفط في العالم.
وقد تميزت أسواق النفط عام 2003 بعدد من الظواهر مثل: ارتفاع أسعار النفط ارتفاعا مستمرا منذ بدء الاستعدادات للمواجهة مع العراق، وقد حدث في هذا العام أيضا أن الأعاصير في خليج المكسيك أدت إلى إغلاق العديد من المصافي وتوقف إنتاج النفط فيها، وحدثت اضطرابات سياسية في نيجيريا وفنزويلا، وهما دولتان نفطيتان مهمتان في سوق النفط العالمي، وحققت منظمة أوبك نجاحا كبيرا في إدارة الصراع النفطي.
الأمن والدفاع في منطقة الخليج
تعيش منطقة الخليج حالة مستمرة من عدم الاستقرار في الأوضاع الأمنية منذ أواخر سبعينات القرن العشرين، فقد أضرت الخلافات السياسية والحدودية بين دول المنطقة بالأوضاع الأمنية، وخلقت الثورة الإيرانية تحديات وتفاعلات جديدة، ثم وقعت الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية التي أعقبت الغزو العراقي للكويت التي ألقت بتداعيات كثيرة وخطيرة على الوضع الدفاعي والأمني للمنطقة.
وقد ولدت الحرب الأنغلوأميركية على العراق مناخا جديدا سادته حالة من الشك والحذر بالنسبة لدول المنطقة المجاورة، خاصة أن الحرب أسفرت عن وجود 150 ألف جندي أميركي في العراق.
وبعد انتهاء الحرب سيطرت مسألة الأمن على اهتمامات قادة وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي، ولوحظ ذلك بوضوح في قمة المجلس التي عقدت في الكويت يومي 21 و22 ديسمبر/كانون الأول 2003.
ويمكن تقدير ملامح البيئة الأمنية في الخليج في ضوء حرب الخليج الثالثة في النقاط التالية: خروج العراق من معادلة ميزان القوة وزيادة اختلال التوازن العسكري في المنطقة، وتمثل حالة الفوضى في العراق تحديا حقيقيا لكل دول المنطقة الخليجية وغيرها.
وستكون الولايات المتحدة مهتمة أكثر في الفترة المقبلة بأوضاعها العسكرية في المنطقة، وقد أخذت العلاقات الإيرانية-الأميركية أبعادا جديدة مختلفة عن السياق الذي ظل سائدا منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979.
وأصبحت دول الخليج بحاجة إلى نموذج جديد وفاعل لنظام أمني يصلح للتطبيق في مرحلة العراق الجديد قائم على تخفيف التوتر وتعزيز الترابط والتعاون، وتطوير قوات درع الجزيرة، وتقليص الاعتماد على القوات الأجنبية.
العلاقات الإقليمية والعربية والدولية
"
أصبحت دول الخليج بحاجة إلى نموذج جديد وفاعل لنظام أمني يصلح للتطبيق في مرحلة العراق الجديد قائم على تخفيف التوتر وتعزيز الترابط والتعاون، وتطوير قوات درع الجزيرة وتقليص الاعتماد على القوات الأجنبية
"
اتسمت العلاقات الخليجية العربية خلال العام 2003 بقدر ملموس من الحيوية والتفاعل، ولم ترصد خلافات أو نزاعات مزمنة بين أي من دول مجلس التعاون الخليجي وأي دولة عربية. ولكن ثمة أزمة بين دول المجلس والأمانة العامة للجامعة العربية، وربما تشهد علاقات اليمن فتورا نسبيا نتيجة ما تعتبره صنعاء بطئا في معدل إجراءات الانضمام إلى أجهزة ومؤسسات مجلس التعاون.
وتواصل دعم دول الخليج للقضية الفلسطينية سياسيا وماليا، ولكن القضية الفلسطينية نفسها دخلت مرحلة صعبة تلقي بظلالها على دول المجلس.
وتطورت إيجابيا العلاقة مع تركيا، وقد تتجه في المستقبل نحو فضاءات اقتصادية وتجارية مشتركة. وتواصلت العلاقات الكثيفة مع الهند وباكستان، حيث يعمل أكثر من خمسة ملايين عامل هندي وباكستاني في الخليج، وبلغ حجم تحويلاتهم المالية في العقد الماضي حوالي 300 مليار دولار.
وفي المقابل فقد أسهمت الهند وباكستان في مساعدة دول الخليج على تطوير بنيتها التحتية وهياكلها الاقتصادية والحصول على خدمات علمية وتقنية متقدمة. ويمكن لدول الخليج أن تلعب دورا مؤثرا وفاعلا في استقرار شبه القارة الهندية وإبعاد شبح الحرب عنها.