المقصود من الصلة بالخلق
قسم: حلقات البرنامج | بتاريخ: 29/09/08 | عدد التعليقات 8 |
الحمد لله .. حمداً نستلهم به التوفيق من حضرته، ونتهيأ به لعواطف نظرته، وصلى الله وسلم على خلاصة الخلاصة وصفوة الصفوة من بريته وخلقه سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد أعظم من دلّ عليك وأشرف من أوصل إليك وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه إلى يوم الدين..
* استمع للحلقة السابعة والعشرون وأنت تتصفح :
لعلك أخي يا من حضرت المجلس الذي مضى وأصغيت إليه أعدت النظر في صلتك بالخلق، تنبهت إلى من خُلِقت وقد قدر الله لك أو عليك أن تكون على صلة بهم لا اختيار لك في ذلك من والدين ورحم، واستشعرت عظيم حق من كانت لك نسبة من الاختيار فيهم ولكن هناك جزء آخر لا اختيار لك فيه كجيرانك، ثم راعيت النظر في من تصاحب..
قبل أن نشرع في المجلس اليوم، أرجو أن تكون قد صالحت رحمك التي كان بينك وبينهم قطيعة، ودون أن تصالح الرحم وتعود إلى صلة الرحم لا تضحك على نفسك السير إلى الله عندك صعب، أعلم أن هذا القرار سيكون صعب بالنسبة لك أن تدوس على نفسك وتتنازل عما تراه كرامة لك أو حقاً لك وتسترضي من ترى أنه أساء إليك من الرحم، أعلم أن هذا ثقيل لكن أنا أثق أنك مسلم ومؤمن وبالتالي الأثقل عندك والأعظم والأكبر رضوان الله سبحانه وتعالى وأنك لن تتردد قط في أن تدوس نفسك بقدميك وتطلب رضوان الله، صَعُبَ عليك من المجلس الماضي من الآن انوي هذه النية، الله مُطلع على قلبك وأنت تنصت إلى هذا الكلام، هل نويت صلة الرحم التي قطعت؟ حالك مع الوالدين، الجيران، أساؤوا أخطئوا… جيران، “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه“، أصحابك ما كان حالك معهم تذكرت أنهم مرآتك؟؛ فإذا أردت أن تعرف حالك انظر إلى أحوال أصحابك، اختيارك للأصحاب لقاسم مشترك بينكم، هل راجعت نفسك من المجلس الماضي إلى الآن فيما يغلب على تجالسك معهم أهو النافع أو الضار أم أنه لغو يضيع الوقت فحسب.. على كل في مجلسنا هذا نلج إلى عُمق في مفهوم صلتنا بالخلق، هو أساس في ارتقائنا في صلتنا بالخالق..
عمق المقصود من الصلة بالخلق
طبيعة الإنسان.. الأنسة ولذلك سمي إنسان ـ على قول ـ لأنه يأنس يحتاج يأنس إلى ما حواليه، أيضاً سُنـّة من سنن الكون التي أوجدها الله عزوجل أن الإنسان يصعب أن يستقل بنفسه في الحياة، كي تلبس أنت محتاج إلى الخياط وإلى النساج وإلى المزارع وإلى الصانع، كي تأكل القمة أنت بحاجة إلى المزارع وإلى الراعي وإلى الصانع، كي تسير من بيت إلى بيت آخر على العربة أنت محتاج إلى كذا وكذا، هناك تكامل هناك شيء من التسخير من الله عزوجل البشر لبعضهم البعض، الصلة بين البشر فيها نوع من صورة الحاجة من كل طرف إلى الآخر ولا يوجد أحد من البشر أُغنـِيَ عن بقية البشر في عالم الحس إلا فيما ندر، حتى الأعلى لا يستغني عن الأدنى، الملك الحاكم محتاج إلى الشعب وإلا كيف يكون حاكماً؟ يكون حاكم على نفسه إذا ماعنده شعب ماهو بحاكم، الوزير محتاج إلى الذين معه وإلا ما قامت وزارته، التاجر محتاج إلى الذين يعملون عنده وإلا ما راجت تجارته، المزارع محتاج إلى من يعينه أو من يشتري بضاعته وإلا ما مشت زراعته، الطالب محتاج إلى من يعلمه والمعلم محتاج إلى الطالب ليعلمه، إذاً الحاجة قائمة بين البشر في عالم المحسوس، هذه الحاجة إما أن تترجم عند صاحب الغفلة بنوع من التعلق بمن له صورة احتياج إليه، هذا التعلق إما أن يكون بمحاولة استمالتهم واسترضائهم أو بمحاولة دفعهم وقهرهم، لكن في كلا الحالتين أنت تشعر أن لك تعلق.. أن لك علاقة بهؤلاء الناس صحيح؟، لكن أصحاب الصلة بجناب الحق عز وجل..
أيها المريد الذي يريد أن يسلك الذي يريد أن يقترب إلى الله عزوجل حاول أن تفهم سنة التكامل التي أوجدها الله عزوجل بين البشر بمنظور آخر وهو أن الله جعل البشر سلالم لبعضهم البعض في الارتقاء إليه، الغني عندما يحسن إلى الفقير يكون الفقير بالنسبة له سُلماً يرتقي به إلى الله أعانه على الارتقاء إلى الله، والفقير عندما يجد المعونة من الغني جعله الله سبباً في قضاء حاجته، المعلم والمتعلم.. الكبير والصغير.. الحاكم والمحكوم.. الطبيب والمريض.. الكل..
لو نظر كل منا إلى صلته بمن حواليه أنهم وسائل لارتقائه إلى الله عزوجل النظرة ستختلف كثيراً ما معنى ستختلف كثيراً؟ في أحوالنا مع الله، ثم ما يترتب على ذلك في معاملاتنا مع بعضنا البعض، عندما تنظر إلى إنسان على أنه معراج ارتقائك إلى الله السبب في قربك من الله ..أتحبه أو لا تحبه؟ تـُحسِن إليه أو لا تـُحسِن إليه؟ تتمنى الخير له؟ هو سبب في قربك من الله، لكن إذا نظرت إلى إنسان على أنه العقبة بينك وبين ماتريد، الله يعينا يخلصنا من فلان من هذه المشكلة.. مرتب الشيء الفلاني ….فرق كبير، سواء أراد هذا الشيء بأسلوب المداهنة والملاطفة أو بأسلوب القهر سيان في النهاية، أنت في هذه الحالة مقهور تحت هذا الإنسان حتى ولو كنت في الصورة قاهراً لهذا الإنسان، أنت مقهور لأنك تشعر أنك لا تستطيع أن تخطو خطوة إلا بعد أن تنتصر على مشكلتك مع هذا الإنسان، لكن إن نظرت إلى صلتك بالبشر على أنهم مراقي ترتقي بها في الصلة بالله المحسن منهم يعلمك الإحسان والمسيء يعلمك الصبر المحسن منهم يحيي في قلبك معنى الشكر لنعمة الله أن ساق إليك المحسنين، والمسيء منهم يحيي في قلبك الاعتبار والتعلم حتى لا تكون مسيئاً، كيف تكون نظرتك إلى أناس تراهم أنهم جميعاً يحملونك إلى الله عز وجل الفرق كبير..
إعادة النظر فيما نرجوه من الخلق من حولنا
يترتب على هذا أن تعيد النظر في مفهوم ما ترجوه من الخلق وما تخشاه من الخلق هذا بجانب النظرة الأولى، المفهوم الأول: اتفقنا أننا سننظر إلى البشر على أنهم مراقي لنا في صلتنا بالله صحيح؟، المفهوم الثاني: وهو مفهوم الحاجة وهذه مسألة لها صلة بالعقيدة لكن بباطن العقيدة بروح العقيدة بسر العقيدة .. اليقين، إذا ظننت بأن أحد من هؤلاء البشر يملك لنفسه نفعاً أو ضراً فضلاً عن أن يملك لك نفعاً أو ضراً فأنت في مشكلة، لماذا فلان يكره فلان؟ لأنه أعتقد أن فلان منعه ما يريد أو أخـّره عما يريد أو صَعّب عليه ما يريد أوأخذ ما يريد. ولماذا يبيع فلان دينه لفلان بكذب أو مداهنة أوطاعة في معصية الله عز وجل لأنه أيضاً يظن أنه بيده أن يعطيه ما يريد..
أصبحت النظرة إنسان لإنسان غاب عنها شهود الرحمن، النظرة الأولى تلك السابقة كنا ننظر أنه سبب في ارتقاءنا إلى الله لأن الله جعلهم أسباب لترقينا، لكن مفهوم الحاجة هذا إذا نظرنا إلى بعضنا البعض في صلتنا ببعضنا البعض بتصحيح مفهوم ما نحتاج إليه أصلاً من الدنيا، أيها المريد ماذا تحتاج من الدنيا أنت لا تحتاج على وجه الحقيقة على أكثر من كسوة تستر عورتك وتقيك البرد وكذلك من تعولهم ولقمة تقوًم بها عودك ولو بشيء من التنعم في المباح ومأوى تأوي إليه ومركب تركبه، يوجد في الدنيا أكثر من ذلك؟ حقيقة لا كل ما سوى ذلك أوهام يتوهم الإنسان التلذذ بها، يتوهم الإنسان التلذذ بأن ستارة بيته أغلى من ستارة بيت جاره بعشرة آلاف أو بخمسة آلاف، هنا لا يوجد لذة في الحقيقة لكن توهم اللذة بتوهم أني صرت أعلى منه أني صرت أرقى منه أنه سينظر إلي بأني… في الحقيقة لا توجد لذة حقيقية بهذا الشيء، لكن اللذة في الوهم الذي تعيشه إن أخذتنا هذه النظرة للحاجة.
موقف المريد من الفقر والغنى
ما موقف السائر إلى الله ما موقفك أيها المريد من الفقر والغنى؟ هذا له صلة كبيرة لسيرك إلى الله وله صلة بصلتك بالخلق، إن كتب الله لك سعة في شيء من أمور الدنيا ما نظرتك لمفهوم الغنى والجـِدَة؟ وإن قَدَر الله عليك رزقك وصارت عندك حاجة أو صارت أمورك شدة ما نظرتك لذلك؟ إن قررت أن تكون واضحاً صادقاً قوياً بالله عز وجل ستدرك أنه من حقك أن تأخذ بالأسباب إذا أردت أن تتوسع، من حقك أن تتاجر من حقك أن تأخذ بأسباب الدنيا، لكن ينبغي أن يكون قلبك مطمئناً أولاً إلى أنك لن تستطيع أن تأخذ شيء لم يكتبه الله تعالى لك، فتجتهد اجتهاد المطمئن لا اجتهاد اللهج المتلهج القلق، الشيء الآخر أنت مريد الله فالدنيا بالنسبة لك بـُلغة لن تنظر إليها على أنها إما حضرت وإما شقيت، إما توفرت سيارة من النوع الفلاني أو فرشت بيتك من النوع الفلاني وإلا فأنت غير سعيد، أنت الذي حكمت على نفسك في هذه الحالة أن لا تكون سعيداً!! ليست هي الحقيقة، فإذا فهمنا أنها بـُلغة وأن المتيسر منها سيأتي المكتوب وغير المكتوب لن يأتي خذ الأسباب لكن كن مطمئناً بأنه لن يأتيك إلا ما قـُدّر لك، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ما مضى تعاملك مع الفقر والغنى هل تفهم كيف تصبر إذا حصل الفقر وتشكر إذا جاء الغنى؟
رتب المريد مع الفقر والغنى
أقل رتب المريد أن يشكر عند الغنى وأن يصبر عند الفقر؟ نعم وهذه بدايات سنة أولى روضة تمهيدي حضانة .. بدايات الإرادة، جاءك شيء من الفقر .. صبرت ثبتت أخذت بالأسباب لكن عندك الصبر الرضا، فـُتِحَ لك شيء من أبواب الدنيا شكرت وأديت حقها..
يوجد أرقى من ذلك؟ نعم، تعرف ما هو الأرقى؟ هناك من الصالحين من إذا جاءت الدنيا أقبلت خافوا وقالوا لعلها عقوبة معجلة ذنب عُجـِّلت عقوبته، وإذا جاء الفقر وقلة ذات اليد يقول الحمد لله شعار الصادقين قد أقبل عليّ… صعبة، هناك أرقى .. لا لا هذه صعبة ما استوعبناها كيف هناك أرقى؟ نعم..
هناك أرقى، الذي ينظر إلى هذه الرتبة التي يستصعبها البعض، إذا جاءت الدنيا خاف وقال لعله ذنب عُجـِّلت عقوبته كما كان السلف يقولون وإذا أقبل الفقر اطمأن وانشرح صدره وقال مرحباً بشعار الصالحين كيف ينظرون ماهي الفلسفة التي ينظرون بها إلى هذا الأمر؟ في الحقيقة هي معرفة أكثر من كونها فلسفة، حلال الدنيا حساب وحرامها عقاب، هذه واحدة، الثانية غالب أهل الدنيا الذين لم تطمئن قلوبهم لأنوار المعاملة مع الله في نكد لا تعلمونه أنتم، لا يعلمه من لم يتسع في الدنيا، وانظروا إلى هذا الفقير الذي ثوبه قد خِيط عدة مرات وهو يسير هانئ البال يضحك بملء فيه وإذا آوى إلى فراشه بمجرد أن يضع رأسه على الوسادة أطبق عليه النوم، وانظروا إلى هذا الذي يملك الأموال الطائلة ويركب السيارات الفارهة ويلبس الملابس الفاخرة وهو لا يستطيع أن ينام إلا بحبوب منومة، ما القصة ما الخبر ما السبب؟ نعم رأينا فقراء أيضاً جزعين، ورأينا أغنياء مرتاحين، المسألة ترجع إلى طمأنينة في القلب فقط، هل اتضح هذا المقصد لماذا كانوا يقولون مرحباً بشعار الصالحين ويقولون ذنب عُجـِّلت عقوبته في صلتهم بالفقر والغنى، ماهو الأرقى حتى لايدركنا الوقت، الأرقى من هذا وذاك أن يستوي عندك الفقر والغنى، الجـِدَة والعدم؛ كتب الله لك أن تعيش عيشة الفقراء بالرغم من بذلك الأسباب لكن في النهاية ما تيسر إلا هذا المستوى، راضي يا رب بما قسمته لي.. القضية أيام نعديها في الدنيا ونسير يا الله بحسن الخاتمة، كتب الله عليك ابتلاء الأموال والسعة في أمور الدنيا، يا رب أعني على ما أقمتني فيه وارزقني حسن التصرف والتقبل ولا تجعل الدنيا في قلبي.
حال أهل الأنس بالرضى بالله عز وجل: أن الوجد والعدم عندهم سواء، طيب لماذا جعلنا من استوى الفقر والغنى في قلوبهم أرقى من الذين يخافون من الغنى ويفرحون بالفقر؟ لأنه بالرغم من أن هذا الخوف والفرح راقي، إلا أنه لا يزال فيه نسبة نظر إلى الدنيا، أثرت بخوف أو فرح وإن كان راقياً، اتضحت أو أعيدها؟ أعيدها، هذا الذي يفرح بالفقر ويقول شعار الصالحين قد أقبل واتخلص من مشكلة حساب الدنيا، أو قد جاءت الدنيا فيقول ذنب عُجّلت عقوبته لكن لا يزال في قلبه تأثر في الدنيا إن أقبلت أو أدبرت، وإن كان هذا التأثر إيجابياً لكن في نسبة تأثير في الدنيا عليه، أما من استوى عنه الوجد والفقد .. الغنى والفقر عنده على حدٍ سواء هذا قد انقطعت الدنيا عن قلبه بالكلية ما عادت تهز له شيئاً؛ وجـِدَت أخذها وبذلها في محلها، فـُقِدت ما شاء الله ما فقد شيء لأن قلبه معمور بالله..
مواقف ..
* من السيرة : الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم مرّت عليه أيام وفـّر لزوجاته مؤونة سنة كاملة من الطعام، ومرّت عليه أيام ما يجد طعام، في الحديث الشريف : “أن رجلا – ضيف.. يعني انظروا الإحراج في مفهومنا العصري، برؤيتنا القاصرة – أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضم أو يضيف هذا). فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت – قبل نزول الحجاب- كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين“..
الله الله، بعضنا يستثقل أن يجلس عنده الضيف ليلة أو ليلتين من الرجال والنساء يستثقلون.. خصوصيتنا وترتيبنا وأمورنا، أما تعلم أن الضيف يدخل برزقه ويخرج بذنوب أهل ذلك البيت؛ أي بمغفرة ذنوب أهل ذلك البيت؟ على كلٍ موضوعنا أن الحبيب صلى الله عليه وسلم كان عنده الأمر على حد سواء، هذه الدرجة العالية..
* من السيرة: يأتي إليه أعرابي وقال له يا محمد أعطني، وكان قد قسم لرسول الله من سهمه غنم تملأ ما بين الجبلين ملئ الوادي، فيقول رسول الله للأعرابي: انظر لهذا الغنم ملء الوادي، فيقول : نعم، فقال: إنها لك، فقال الأعرابي أتهزأ بي يا محمد، فقال إني لا أهزأ بك خذها وسر بها إلى قومك، فيأخذها الرجل ويسير: جاء في الحديث: “ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر” ، هنا الشاهد، الرجل هنا لم يطلب من قومه أن يسلموا من أجل المال؛ الغنم، الرجل انبهر من عدم تأثير الدنيا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر إلى التعبير الراقي الذي عبر به هذا الرجل “فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر” من لايخاف من الفقر، ليس عنده التفات أبداً؛ جاء الفقر ..أهلاً وسهلاً، جاء الغنى .. أهلاً وسهلاً؛ أنا مع الله، بالله عليك ما تشتاق هذه المنزلة ما تطلبها؟ هي ممكنة الحق يعطيها، أعطاها أعداد من الأمة في كل زمان من هذه الأمة من أعطاه الله هذا الأمر..
* من زماننا المعاصر : أحد الأشياخ الذي أخذت عنهم كنت في مجلس الدرس كنت في تلك الأيام في الخامسة عشر أو في السادسة عشر، تعلمون لماذا أحكي لكم قصة أحد الأشياخ الذي جالستهم؟ حتى لا يقول أحدكم ذاك رسول الله ذاك أبو بكر وعمر أولئك السلف الصالح من مثلهم، كم وكم هناك أناس بين ظهرانينا عايشناهم وجالسناهم في القرن الواحد والعشرين أوالخامس عشر الذي نتحجج به في ما تروج له أنفسنا من الخنوع والرضا بأن لا نرتقي، شيخنا هذا حفظه الله تعالى كنت في مجلسه وبعد الدرس كنت أبقى لكي أنظر هل يحتاج الشيخ شيء، هل أكرم بخدمة الشيخ بشيء أو إذا أراد آتي له بقلم أو أقرب نعليه إليه عند خروجه، أي والله.. الفقير إلى الله أعلم في نفسي النقص في كثير من الشؤون، لكن إن كان ثمة شيء أجراه الله من النفع، صدقوني والله، إني لأعتقد أنه ببركة حملي لنعال مشايخي، نعم، هذا ليس تواضع!! لا تفهموه على أنه تواضع!! هذا إخبار بحقيقة، الصادقون مع الله شأن الجلوس معهم عجيب وهو موضوع درسنا إن شاء الله الذي يأتي أو الذي يليه، بقيت فلما انصرف الناس جاء أحد تجار البلدة من الذين يحبون الشيخ وقال للشيخ أريد أن أتكلم معك في أمر خاص، قال هات ما عندك يعني كلمني، خرج هذا التاجر وجاء ومعه سائقه يحملان جونيه (شوالاً) يسمونها التي يوضع فيها الرز قال له الشيخ : ما هذا؟ قال له مليون، هذا الكلام في الثمانينات الميلادية، قال له الشيخ ما لنا حاجة إليها يا أخي، قال أنا قد نويتها لك تريدها للخير للصدقة لأولادك، كان التاجر هذا من أهل الحجاز هذا الكلام في جدة قال (تحرقها) بلهجة أهل الحجاز، افعل ما تريد، فدعا له الشيخ وانصرف الرجل..
قال تأكد أن سيارة الرجل قد غادرت المكان، ذهبت وتأكدت له ورجعت أخبرته، قال تستطيع أنت والسائق تحملانها قلت إن شاء الله نعم، فحملت هذا الشوال مع السائق ووضعناه في السيارة وركبنا مع شيخنا، نعم كان هو في مقدمة السيارة مع السائق وكنت أنا بجانب الكيس الذي فيه المليون، كان هذا الكلام الساعة العاشرة صباحاً.. ما وصلنا إلى الساعة الثالثة بعد الظهر إلا وقد فرغ الكيس، أدخلني إلى أماكن ضيقة فيها من الفقراء مالم أعرفهم في بلدة ولدت فيها ونشأت فيها، يقول لي إقرع هذا الباب سيجيبك رجل شائب من الشباك لا يستطيع النزول قل له فلان أرسلني، سيلقي لك المفتاح افتح واصعد أعطيه هذه الرزمة، اطرق هذا الباب.. يا ولدي أنت قد بلغت سن الرشد غض البصر لأن الذي فيه إمرأة وبناتها عذارى ليس لهن أحد ناولها من عند الباب وارجع وهكذا.. فلما فرغ من تفرقة الكيس قال لي بقي شيء قلت لا سيدي فأمسك بطرف هذا الكيس وبكى فقال اللهم فاشهد.
هذا أوتي المال جاءه المال إلى عنده لكن ليس له أثر في قلبه ليس له منزلة عنده، وسأحكي لكم إن شاء الله في المجلس القادم قصة قريبة منها لها صلة أيضا بشيخنا الشيح أحمد متولي الشعراوي رحمة الله تعلى عليه هؤلاء القوم جاءتهم الدنيا، وأنت تأتيك الدنيا أو لا تأتيك، المهم ما حال قلبك هل يفرحك إتيانها؟ هل يحزنك انصرافها أو العكس؟