الدرس الثالث – تصحيح التوبة
قسم: حلقات البرنامج | بتاريخ: 5/09/08 | عدد التعليقات 12 |
في هذا المجلس .. نعمل على وضع أول قدم في طريق السير إلى الله عزّ وجل بعد حصول الرغبة في قلبوبنا وحصول همّة السير إلى الله تعالى في بواطننا، وأول قدم تقبل على الله تعالى هي قدم تصحيح التوبة إلى الله ..
* استماع الحلقة الثالثة وأنت تتصفح
معاني التوبة
التوبة .. مأخوذة من الرجوع والأوبة .. وهي في حقيقتها تحتوي على ثلاثة معانٍ إذا اجتمعت حصلت التوبة… (علم – حال – فعل)
المعنى الأول: علم ..
وهو علم بأني عبد واني سأقف بين يدي الله يوم القيامة، وآني أعيش حياة قصيرة تختم بالموت ثم أحاسَب على ما كان مني في هذه الحياة القصيرة.
وعبد يعلم أن هذه الحياة القصيرة منتهاها إلى ساعة يقف فيها وحده بين يدي ملك الملوك يخاطبه وحده بغير ترجمان ولا واسطة ويوقفه بين يديه .. ويقول له: “عبدي .. أتذكر يوم كذا، ساعة كذا، يوم غلقت على نفسك الأبواب واستترت من أعين خلقي، واستحييت من نظرهم إليك، وواجهتني بما لا يرضيني من العمل، أين كان نظري منك؟.. عبدي .. لم جعلتني أهون الناظرين إليك..؟، عبدي .. أستحييت من خلقي ولم تستحيي مني..؟”
عندما يوقفني بين يديه ويقول لي .. “عبدي.. أوجدتك من العدم، وأفضت عليك النعم .. أكرمتك بـ(لا إله إلا الله) نشأت عليها تدهدهك عليها أمك وترضعك عليها .. وتفتقت مداركك عليها .. ثم نشأت وقمت متقوياً مستقوياً بما أعطيتك من نعم .. وبما أودعتك من خيرات .. واشترأت على مخالفتي .. كيف واجهت نعمي؟ .. هل وظفتها فيما يرضيني عنك؟.. هل طلبت قربي في هذه الأيام التي أبحتها لك؟..”
هذا موقف .. لا يوجد مؤمن منا إلا وهو يعتقد أنه وارد عليه .. كما أن هذا العلم أيضاً يتضمن أن كل كلمة نطقنا بها مكتوبة.. كل نظرة نظرنا إليها مضبوطة.. كل إنصاتة كل حركة كل سكنة .. كلها قد ضبطت، والبعض عندما ينصت إلى هذا الكلام يضيق صدره بمفهوم الملاحقة أو المتابعة أو الحساب أو الكتاب عليه…
اسمع .. لو نظرت إليه من زاوية أخرى.. هو معنى من معاني الاكرام من الله لك وإعظام الله لك واجلال الله لك، أما رأيت أهل الدنيا إذا بلغ بينهم بعض الناس منزلة رفيعة تهافت الناس عليهم، هذا الصحفي يكتب كل كلمة يقولها.. والآخر يصور كل حركة يقوم بها .. وغاية ما يهتمون به ساعة أو ساعتين ثم ينفض كل واحد إلى مكانه.
أنت مهم عند الله جل جلاله .. ومن علو منزلتك ومن ثقل مكانتك عند الله .. وكـّـلَ ملكين كريمين نورانيين لا يعصون الله ما أمرهم به {ويفعلون مايأمرون.. وظيفة هذين الملكين منذ بلوغك وحتى وفاتك أن يكتبوا كل كلمة تنطق بها .. وأنت تمزح وأنت جاد وأنت غاضب وأنت راضي وأنت حزين وأنت فرح {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتيد} ق18، فأنت صاحب منزلة عند الله عز وجل، إن علمت ان كل أفعالك مضبوطة ومحسوبة وأنها ستعرض بين يديك أمام الله عز وجل، وأن هذه الصحف ستنشر، وإذا أضيف إليه علم آخر .. أن ما بعد العرض على الله تعالى انصراف إلى دار رضوان أو دار سخط .. إلى جنة أو إلى نار، من تحصلت لديه هذه المعلومات .. وعلم أن الفرصة تنتهي وصول روحه إلى الغرغرة، والمشكلة الأكبر أنه لا موعد محدد لوصول الروح إلى الغرغرة .. لا تستطيع أن تعد لها استراتيجية أو خطة خمسية .. لا يوجد هذا الكلام .. لا تدري في أي لحظة سيأتي ملك الموت الذي لا يفرق بين الكبير والصغير والصحيح والمريض .. فهو أمر في علم الله عز وجل تـُفاجأ به .. قد ينزل بساحتك .. وعند إذٍ يـُعلن أن الفرصة قد انتهت.
من علم أن هذا حاله .. وأن هذا وضعه .. ألا يحصل في قلبه نتيجة لهذا العلم .. حال من الندم .. وحال من الشعور بالحياء .. بالخزي .. بالخجل من رب العزة جل جلاله؟ .. كنت في الأمس أعصيه وكان ينظر إليّ .. كان يراني … سأقف بين يديه وسيسألني.
جاء أحد الصالحين من أهل الحبشة على أحد أهل الله من السلف .. وقال له “يا شيخ أو يغفر الله لي فاحشة ارتكبتها؟” فقال له .. نعم.. إن تبت وصدقت.
فشكر الله وظهرت آثار الفرح على أسارير وجهه .. ثم مشى خطوات ثم رجع وقد تغير وجهه .. فقال له ذلك العالم من السلف .. مالذي حصل؟ فقال .. أوكان يراني عندما كنت أعصيه؟ فأجابه .. نعم. … فصرخ صرخة خرّ ميتاً من ساعته.
أتعرفون ماذا جرى لهذا الرجل ؟ .. في بداية الأمر كان مشغول في قضية هل سأدخل الجنة أم سأدخل النار؟ ولا يوجد مؤمن يستهين بقضية الجنة والنار .. ولكن لما سكن روعه من قضية الجنة والنار .. وان الله سيغفر له إن تاب .. استيقض في داخله معنى أعمق وأعلى وأرقى وأكبر وأدق .. وهو معنى المعاملة مع الله .. معنى أنه كان ينظر إلي وأنا أفعل كذا وكذا ..
أيضاً .. معنى آخر .. سترني وكان بالإمكان وهو قادر أن يفضحني على رؤوس الأشهاد ومع ذلك سترني .. ومسألة خرى ..واستمر يواصلني بنعمه .. هو لا زال يكرمني ويعطيني وأنا لا زلت أعصيه؟ اسمع .. ويجعل الناس تحسن الظن به ..
هذا يجعل الشعور بالندم على التقصير والتفريط وعلى الاجتراء على الله .. هذا الاحساس الذي يكون في القلب .. المعبر عنه بالندم .. هو الحال
المعنى الثاني .. حال ..
وهو الندم على ما قدمت، كان بعض السلف يمسك بلحيته ويقول (واسوءتاه .. وإن عفوت) هذا الندم يورث في الانسان قرار .. أن أتوقف عن المخالفة .. أن لا أعود إليها أبداً .. أن لا أعصي الله بعد ذلك أبداً ..
المعنى الثالث: فعل ..
وهو الإقلاع عن المعاصي والعزم على عدم العودة، إذا حصل هذا الندم وقـَبله العلم وأثمر العلم والندم قرار بالاقلاع عن المعصية ةأن لا أعود لها أبداً .. صار هذا الشي اسمه (توبة).
وإن كان الخطأ أو المعصية لها صلة بحقوق تتعلق بالناس .. أخذت مال فلان أو آذيت فلان أو سببت فلان … فهناك معنى رابع يضاف وهو..
المعنى الرابع .. رد الحقوق إلى أهلها ..
إذا أكلت أموال الناس فعليك أن تردها إليهم .. لم يعد لديك ما ترده .. عليك أن تطلب العفو منهم .. ما سامحوك … هذه مشكلة .. عليك أن ترجع إلى أمر الله .. أما أن يستتعفيهم الحق سبحانه وتعالى إن رأى منك الصدق، يوم القيامة وأنت قد وفيت بعهدك بالتوبة .. يكرمك الله سبحانه وتعالى بأن يرضي من أسأت في حقه وأكلت ماله وعجزت عن رد الحق إليه .. بأن يعطيه الله شيء مقابل المسامحة .. أما الحق فلا يسقط ..
دوواين الذنوب
ديوان يغفر .. وهي جميع المعاصي والذنوب .. التي بين العبد وربه، إن حصل الندم الصادق الحقيقي الذي أثمره العلم، وحصل الإقلاع والعزم على عدم العودة.. غفر الله المعاصي والذنوب.
ديوان لا يغفر .. وهو الشرك الأكبر والعياذ بالله .. غير أن الأمة لا يوجد فيها شرك أكبر، جاء في الحديث الصحيح في البخاري .. “إني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي ولكن أخاف أن تفتح عليكم الدنيا ..”, والشرك الأكبر هو اعتقاد بوجود إله مع الله عز وجل وهذا لا يوجد عند المسلمين. ولكن من يوجد عنده الشرك الأكبر لا يغفر له .. {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}.
ديوان لا يترك .. وهو حقوق الناس ..الحقوق المتعلقة بالخلق .. وهي التي ينبغي على السالك إلى الله ان يكون جاداً وصادقا مع نفسه لأدائها.
الذنوب : الكبائر والصغائر
قال العلماء هي أربعة . وبعض الصحابة قال هي 7 .. وبعض الصحابة قال هي أحد عشر .. وابن عباس قال “يرحم الله ابن عمر جعل الكبائر سبعة وهي إلى السبعين أقرب” .. والذي عليه جمهور علماء أهل السنة والجماعة أن: كل ما وجب فيه حد هو كبيرة، وأن: كلما نص القرآن على تحريمه هو من الكبائر، وأن: الموبقات من الكبائر..
ولكن انتبه إلى معنى آخر .. وهو حال القلب مع المعصية بعد المعصية… قال العلماء .. الإصرار على المعصية كبيرة .. ومعنى آخر .. الاستهانة بالمعصية كبيرة .. وإن صغرت المعصية.
- المباح .. كان من الصالحين من يستغفر الله من المباحات .. لانه يرى أن حاله مع الله هو طلب إرتقاء في سائر الأحوال .. فإذا عمل مباحاً دون أن ينوي في عمله هذا طلب القرب من الله تعالى .. استغفر الله من عمله
- الطاعات .. كان بعض الصالحين يتوب ألى الله من بعض الطاعات .. يتوب من معنى قد يرد على قلبه عند الطاعة .. ولم يشعر بفضل الله عليه أنه وفقه لتلك الطاعة ..
- أرقى من كل ذلك .. رابعة العدوية رحمها الله .. كانت تقول: أن استغفارنا يحتاج إلى استغفار .. هذه هي التوبة .. تبدأ من هذه الليلة .. ولا منتهى لها .. كلما ارتقيت بالقرب من الله معنى .. تطلب التوبة من المعنى الذي قبله؟ قال أحدهم لرابعة العدوية .. ادعي لي أن أتوب إلى الله ليتوب علي .. قالت بل أدعو لك أن يتوب عليك الله لتتوب ..
ننصرف من هذا المجلس
قم بعد المجلس صلي ركعتين سنة التوبة، أضف إلى وردك : (100) أستغفر الله وأتوب إليه. .. أو (100) رب اغفر لي وارحمني وتب عليّ ..
والثمرة … كل ليلة وأنت على هذا الحال .. ستنال رتبة يسميها العلماء: رتبة المحبوبية، {إن الله يحب التوابين}، وإذا أقبلت على الله .. وحصلت منك هفوة وعصيت .. ارجع الى الله .. الثانية .. ارجع الى الله .. الثالثة .. ارجع الى الله … العاشرة .. ارجع الى الله … هل لك غيره؟ وهل عندك ملجأ سواه ..؟
حتى ننصرف من هذا المجلس بسر العودة إلى الله سبحانه وتعالى وحقيقة التوبة ، وبالله التوفيق ..
* مشاهدة وتحميل الحلقة الثالثة – فيديو – من هنا
* تحميل الحلقة الثالثة – صوت – من هنا
* المزيد من الدروس عبر الرابط من هنا