جريدة الأهرام المصرية كانت جريدة محترمة منذ إنشائها حتى وقت قريب. كانت تنشر الأخبار بحيادية. كانت تشمل صفحات أدبية وصفحات اجتماعية راقية. كان يكتبها ويحررها عظماء من المفكرين والعلماء. كانت تطبق شعار: الدين علاقة شخصية بين الخالق والمخلوق، والوطن لجميع من يعيش فيه.
في الماضي لم يكن هناك مَن يدفع دولارات أو ريالات ويشتري كتابها الشرفاء.
لم تكن هناك صفحات في جريدة الأهرام تباع لحساب هيئات مشبوهة، حتى لو اتخذت الدين الإسلامي شعاراً لها أو اتخذت تفسير القرآن حجة للهجوم على عقائد المسيحيين واليهود بدون منطق أو دراسة راقية محترمة مبنية على أسس علمية.
كان مَن أنشئاها مسيحي الديانة، لكن كانوا محترمين. كانت اتجاهاتهم تحترم جميع الأديان والعقائد والاتجاهات السياسية. كانت تطبق العلمانية بكل مبادئها الراقية، وتشجع التفكير والنقد البناء.
في جريدة الأهرام (الإسلامية التوجه والقيادة) ـ التي يفترض أنها راقية وتحترم العلم والعقل ـ تنشر مقالات في صفحة للفكر الديني، ولا يُعرف هل الدين كله تلخص في الإسلام، إذا كانت بحق جريدة كل المصريين كما يقول ذوي الأقلام الرنانة والكلام الغير مطابق لسلوكياتهم، فأين الفكر الديني المسيحي أو اليهودي وهي ديانات منزلة من سماء اله الإسلام؟؟؟؟!!!
أول مرة تنشر صفحة الفكر الديني ـ المزعومة هذه ـ مقالة للدكتور زغلول النجار العالم المتعلم ذو الدرجات العلمية العالية والذي يؤكد: أن الذباب خير علاج، طبقا لأحاديث محمد نبي الإسلام. (انظر جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 11/11/2003)
ليس هذا هو الموضوع الأهم الآن، لكن
نشرت جريدة الأهرام بتاريخ 18/4/2007 وفي صفحة الحوادث والقضايا خبر بدون ذكر اسم المحرر بعنوان: فعل فاضح بالطريق العام.
والخبر كالتالي: أمرت نيابة قصر النيل بإخلاء سبيل شاب حاصل على دبلوم معهد فني للخدمات وصديقته وهي عضو نشط بحركة كفاية لقيامهما بأفعال مخلة بالآداب العامة بشارع كورنيش النيل أمام فندق شبرد.
كانت الدورية الأمنية قد شاهدتهما أثناء قيامهما بالفعل الفاضح فتم ضبطهما المتهم عمره( 25 سنة) وصديقته العضو النشط عمرها( 20 عاما ).
انتهى الخبر ـ كما كُتب ـ في جريدة الأهرام (الموقرة).
وهناك مجموعة من الأسئلة:
ـ ما هو تعريف الفعل الفاضح؟ وماذا عملا من أفعال لكي يكون فاضح؟ وهل "القبلة" في الطريق العام فعل فاضح؟ وهل مثلاً إذا اتكأ رجل من الأنبياء على فخذ زوجته ونزل عليه الوحي المقدس، وتداولت قصص مثل هذه القصة الكثير من كتب الأولين، ثم نُشر بين العامة في الأجيال التالية على أنه سُنة حميدة تُقتدي من التابعين والأنصار؟ هل بعد هذا نقول وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى؟
ـ ما هو المعنى المقصود من أن الفتاة "عضو نشط بحركة كفاية"؟ هل المقصود تشويه سمعة النساء المحترمات والفتيات الراقيات المشاركات في العمل السياسي والتعبير عن رأيهن؟
ـ هل يقصد المحرر الذي لم يكتب اسمه أن يتهم حركة كفاية كلها أنها تفعل أفعال فاضحة بالطريق العام حيث أنها تعرضت لفضائح "مبارك" والجهاز الرئاسي والحزب الحاكم الذي أطبق بأفعاله الفاضحة على رقاب الشعب المصري لمدة خمس وعشرين سنة؟
ـ ما مدى مفهوم عصمة أي إنسان ينتمي لأي تنظيم؟
ـ لماذا الغموض في تناول المتهمين؟ لماذا لا تنتظر الجريدة (الموقرة؟!) حتى تنتهي النيابة من التحقيقات ثم تكتب الأسماء الحقيقية بعيداً عن انتمائهم الحزبي أو السياسي؟
ـ لماذا يعلن صراحة المسئولين عن جريدة الأهرام (الإسلامية المباركة) عن كونهم لسان حال مبارك الرئيس، والحزب الحاكم. ويعملون على محاربة كل الاتجاهات المختلفة، حتى لو كان هؤلاء لديهم الحق في الكثير جداً مما يقولونه؟
ـ إذا كان المتهمان متهمان بحق ( والمتهم برئ حتى تثبت إدانته وهذا في الدول الراقية المحترمة المتقدمة) في جريمة تستدعي أن يقف لها المجتمع وكل الأمر علاقة شخصية بينهما، فلماذا أفرجت عنهما النيابة؟
ـ الشرطة المصرية ( المحترمة؟)، وجهاز مراقبة الأخلاق الحميدة ( المسمى أمن الدولة) وجريدة الأهرام(الموقرة؟) لماذا يقبضون على مجرد شاب وفتاة، ويشهرون بهم. هل سدد المجتمع ابسط احتياجاتهم في فرصة عمل شريفة، أو مسكن ملائم، أو تعليم جيد؟
ـ لماذا القبض على شاب ربما أعطى "قبلة" لفتاة، وتركوا صاحب شركة السلام ـ الذي تحوم شبهات وشائعات وشكوك بين جميع المصريين حول صداقته أو قرابته مع رئيس الجمهورية مبارك ـ الذي تسبب في قتل وموت مئات المصريين، بالاشتراك مع فساد قطاع النقل البحري؟
أخيراً...
احذر وابشر يا عزيزي القارئ حين تأتي لمصر (المحروسة؟)، فـ "القبلة" جريمة، بينما قتل المصريين عمل عادي.