ورغم هذه الإنجازات الاقتصادية واجهت حكومة عبود أزمة سياسية عميقة لم تمهلها طويلاً للبقاء في الحكم. ففي عام 1963م، شهد جنوب السودان نشاطاً سياسياً مكثفاً من قبل المعارضة الجنوبية في المنفى ضد حكومة عبود. وبرز حزب سانو SANU (الإتحاد السوداني الإفريقي الوطني)،[36] بزعامة جوزيف أدوهو كداعية إلى استقلال الجنوب، كآخر خيار في حالة رفض الشمال الإتحاد الفيدرالي كحل للمشكلة. لم تتم الاستجابة لمبادرة أدوهو، واستمر التصعيد من الجانبين مما أدى إلى اشعال نار الحرب الأهلية في الجنوب. ظهرت في سبتمبر / ايلول 1963 م، حركة الأنيانيا Anyanya (والكلمة تعني الأفعى السوداء السامة بلغة قبيلة المادي التي ينتمي إليها زعيم ومؤسس الحركة جوزيف لاقو) [37] لتشن حرب عصابات في المديريات الجنوبية الثلاث (أعالي النيل، وبحر الغزال، والاستوائية) مما أدى إلى تدهور في الوضع الأمني فيها.
استغلت الأحزاب السياسية الوضع وجاهرت بمعارضتها لسياسات حكومة عبود من خلال تصريحات زعمائها وندوات كوادرها خاصة في الجامعات والمعاهد العليا. وانطلق الحراك الذي أجبر الفريق عبود على التنازل عن الحكم، من جامعة الخرطوم في الربع الأخير من شهر أكتوبر / تشرين الأول على إثر تعرض الشرطة لتجمهر طلابي محظور بإطلاق النار عليه فأردت أحد المشاركين فيه قتيلاً ـ وهو الطالب أحمد القرشي طه، وتحول موكب تشييع جثمان القرشي إلى مظاهرة حاشدة حضرها عدد يقدّر بحوالي 30 الف شخص، تبعتها مظاهرات مماثلة في مدن أخرى كبيرة بالبلاد. وأصبح القرشي فيما بعد رمزاً وطنياً.[33] عمت البلاد الفوضى والانفلات الأمني.
وتحت هذه الضغوط اعلن الفريق إبراهيم عبود عن استقالة حكومته وحل المجلس العسكري، ودخل في مفاوضات مع زعماء النقابات العمالية والمهنية وممثلي احزاب المعارضة والأكاديميين أفضت إلى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة، إلى جانب بقاء الفريق عبود كرئيس للدولة والذي سرعان ما تخلي عن الحكم وحل محله مجلس رئاسي يتكون من خمسة اعضاء، تماما كما كان الحال قبل مجيئه إلى السلطة. وهكذا بدأت فترة الديمقراطية الثانية. [33]