فتح الإسكندر المقدوني الهلال الخصيب عام 333 قبل الميلاد وقضى على الإمبراطورية الفارسية بقيادة داريوس الثالث وأنشأ إمبراطورية مترامية الأطراف ثم مات في بابل عام 323 قبل الميلاد، فاقتسم قواده الإمبراطورية وآل الهلال الخصيب إلى حكم سلوقس الأول والذي سمى نفسه "ملك سوريا" وسار خلفائه على نهجه، ليظهر مصطلح سوريا بشكل رسمي في التاريخ كتسمية للبلاد لأول مرة.[40] اهتم سلوقس الأول بالعمارة والبناء ونقل عاصمة مملكته من بابل إلى سلوقية التي بناها على اسمه عام 307 قبل الميلاد وتدعى اليوم المدائن، ثم بنى أنطاكية ونقل إليها العاصمة سنة 300 قبل الميلاد تخليدًا لاسم والده أنطوخيوس.[41]
انتشرت في عهد سلوقس وخلفاءه الثقافة الهيلينية اليونانية وباتت اللغة اليونانية تعامل كلغة الثقافة، وبنيت خلال عهد سلوقس الأول فقط 34 ميدنة كان أكبرها إلى جانب أنطاكية كل من أفاميا قرب حماه واللاذقية ودورا أوربوس على نهر الفرات.[42][43] شهدت تلك الحقبة استيطان جنود سلوقس الأول اليونانيين في سوريا، مختلطين بسكانها الأصليين، وفاقدين بشكل تدريجي هويتهم السابقة بما يعرف باسم التمازج الاثني.[43] وقد كُدرت الحقبة السلوقية بسلسلة الحروب السورية التي قامت بين السلوقيين والبطالمة حكام مصر، ولم تنته هذه الحروب حتى عام 198 قبل الميلاد حين استطاع أنطوخيوس الثالث ضم الأردن وفلسطين إلى مملكته مبعدًا النفوذ المصري عنها،[44] وكان أنطوخيوس الثالث قد قام قبلاً باحتلال إيران وأفغانستان وشمال الهند ضامًا إياها إلى الإمبراطورية.
المدرج الروماني في بصرى عاصمة الولاية العربية الرومانية التي شملت القسم الجنوبي من سوريا، وهي مدرجة على لائحة التراث العالمي.
الإمبراطورة جوليا دومنا، أحد أفراد العائلة السيفيرية الحمصية التي حكمت روما بين عامي 192 و263.
أما خليفته أنطيوخوس الرابع فقد استطاع عام 169 قبل الميلاد احتلال مصر وحاصر الإسكندرية، وهي المرة الأولى التي تحاصر فيها المدينة منذ تأسيسها، غير أن إمبراطور روما هدد الملك السلوقي فرفع الحصار عنها، وخلال عودته عرج أنطوخيوس الرابع على القدس وأقام مذبحًا للإله زفس في قدس الأقداس ضمن معبد سليمان ما أدى إلى قيام ثورة عبرية استطاعت تأسيس الدولة المكابية، وهو ما يروى أحداثه بالتفصيل في سفري المكابين الأول والثاني فيالعهد القديم.[44] إثر وفاة أنطيوخوس الرابع ضعفت الدولة وتفككت أوصالها، واستطاع ديكران ملك أرمينيا أن يحتل كيليكيا وساحل بلاد الشام حتى عكا عام 69 قبل الميلاد، غير أن الرومان هزموه وفتحوا سوريا بعد فترة وجيزة عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة بومبيوس الكبير، ودعيت المنطقة "ولاية سوريا الرومانية".
كنيسة القديس حنانيا في دمشق، واحدة من أقدم كنائس العالم. والقديس حنانيا هو أول أسقف للمدينة، ومعمد القديس بولس.
تفاعل السوريون مع الفتح الروماني، واستطاعت العائلة السيفيرية المنحدرة من مدينة حمص أن تخرج خمسة أباطرة لروما خلال سيطرتها على العرش بين عامي 192 و236 وهم سبتيموس سيفيروس وزوجته جوليا دومنا وكاراكالا وغيتا وإيلاغابال والكسندر سيفيروس، تلاهم فيليب العربي بين عامي 244 و249 وهو من ترأس الاحتفال الألفي لذكرى بناء روما.[45][46][47] إلى جانب ولاية سوريا الرومانية استحدثت في جنوب سوريا والأردن الولاية العربية الرومانية، والتي كانت عاصمتها بصرى إلى الجنوب من دمشق، وتعتبر هذه الولاية وريثة مملكة الأنباط.[48] ويذكر في هذا الإطار أيضًا مملكة تدمر والتي تمتعت بحكم ذاتي ثم ثارت على روما وحازت نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا واسعًا خلال عهد الملك أذينة ثم زوجته زنوبيا قبل أن يدرمرها الرومان عام 272.[49]
أما المسيحية والتي بدأت في القدس فبحسب سفر أعمال الرسل، فقد قام رسل السيد المسيح بالتبشير فيها مباشرة، وحسب السفر أيضًا فقد دعي المؤمنون بالسيد المسيح مسيحيين للمرة الأولى في أنطاكية عاصمة البلاد آنذاك.[أعمال 26/11] واقام في مدنها عدد من الرسل السبعون الذين عينهم يسوع حسبما ورد في إنجيل لوقا،[لوقا 1/10] أبرزهم حنانيا الذي غدا أسقف دمشق وأمبيلاس أسقف الرها ولوسيوس أسقف اللاذقية وآرستاخوس أسقف أفاميا.[50] ومن دمشق انطلق بولس الرسول أيضًا،[51] وتشير التنقيبات والحفريات الأثرية إلى اعتناق السوريين للمسيحية مبكرًا،[52] ومن المعروف أن مملكة الرها التي قامت شمال حلب وحكمتها عائلة الأباجرة هي أول مملكة اتخذت المسيحية دينًا رسميًا.[53] لاحقًا، عين مجمع نيقية عام 325 مدينة أنطاكية كرسيًا بطريركيًا إلى جانب أربع مدن أخرى كانت عواصم العالم المسيحي هي: القدس وروما والإسكندرية والقسطنطينية، كما برز العديد من اللاهوتيين السوريين الذين لعبوا دورًا بارزًا في المجامع المسكونية واعتبرت مدرسة أنطاكية اللاهوتية من أقوى مدارس العالم المسيحي القديم القديم إلى جانب مدرسة الإسكندرية.[54]
برزت سوريا خلال القرنين الرابع والخامس كمعبر تجاري هام قوامه طريق الحرير الذي كان يبدأ في الصين وينتهي قرب أنطاكية،[55] وتطورت اللغة الآرامية واشتقت منها اللغة السريانية التي باتت لغة سوريا اليومية، وبزغت العلوم والآداب متمثلة بالمدراس والجامعات وأبرزها في الرها ونصيبين وحران وغيرهم،[56][57] غير أنه وبدءًا من النصف الثاني للقرن الخامس بدأت الاضطهادات الطائفية التي قادتها الإمبراطورية البيزنطية ضد من رفض مجمعي أفسس وخلقدونية، وانقسم الكرسي الأنطاكي على ذاته مرتين الأولى عام 431 والثانية عام 518، وانهار الوضع الاقتصادي بنتيجة زيادة الضرائب واندلاع الحروب بين الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية واستطاع كسرى الأول عام 540 أن يحرق حلب وينهب أنطاكية وأفاميا وأعاد كسرى الثاني الكرة عام 613 فدمر دمشق وقتل معظم سكانها، ثم استرد هرقل سوريا بهجوم مضاد على الفرس عام 628.[58][59][60]