شهد الألف الثالث قبل الميلاد قيام ممالك وحضارات مزدهرة في سوريا أبرزها مملكة ماري على نهر الفرات والتي امتدت حدودها حتى حلب ومملكة إيبلا ضمن محافظة إدلب اليوم إلى جانب مملكة أوغاريت على الساحل والتي ظهرت بها واحدة من أقدم أبجديات العالم،[22] وصدرت منها ملحمة أقهات التي نالت انتشارًا واسعًا في أدبيات الشرق القديم.[23] وقامت إلى جانب هذه الممالك، ممالك أخرى أقل أهمية كمملكة كانا في الشمال الشرقي قرب نهر البليخ وممالك في حلب ودير الزور.
اكتشفت خرائب مدينة ماري إلى الجنوب الشرقي من دير الزور على يد بعثة فرنسية عام 1933، استمرت في عملها حتى عام 1939،[24] أثبتت التنقيبات أن سكان الممالك السورية القديمة قد أقاموا أحلافًا مع بعضهم البعض وسيّروا القوافل التجارية التي وصلت إلى مصر وبلاد فارس ما أدى إلى تفاعلات حضارية عديدة بحكم العلاقات التجارية.[25][26] وابتدعوا أسسًا هندسية في البناء والإنارة إلى جانب صناعة المركبات والنسيج،[26] كذلك فقد وضعوا تقويمًا خاصًا وأسسوا المدراس والمكتبات وإلى جانب صك النقد وتنظيم الفائدة مقابل الإقراض والنخاسة ومجاري الصرف الصحي.[27] ويعتبر القصر الملكي المكتشف في مملكة ماري واحدًا من أبرز المكتشفات في آسيا الغربية وهو يحوي ثلاثمائة غرفة وفسحة ودار ولا تزال جدرانه المزينة سليمة ما يساهم في دراسة الفنون في الحضارات السورية القديمة.[28]
تمثال لبعل من البرونز يرقى للقرن الرابع عشر قبل الميلاد وهو من مكتشفات رأس شمرا قرب اللاذقية.
في الممالك الثلاث اكتشفت رقم مكتوبة بالخط المسماري تؤرخ لتلك المرحلة وتصف الحياة والمعتقدات الدينية وحياة الملوك إلى جانب رقم خاصة بموجودات مخازن الدولة وما يصدر عنها ويرد إليها،[29][30] وقد أفرد السوريون القدماء اهتمامًا خاصًا للمسلات كرمز للالتقاء بين الأرض والسماء، وربما تكون مسلات مملكة ماري أقدم من مسلات الفرعونية في مصر.[29] تصنف الحضارة السورية القديمة على أنها جزء من الحضارة السومرية التي ازدهرت بنوع خاص في جنوب العراق، أما حضارة الساحل السوري وامتداده فتصنف كجزء من الحضارة الفينيقية.[31]
في عام 2350 قبل الميلاد أصبح سرجون الأكادي ملكًا على كيش جنوب العراق، واستطاع أن يوسع ملكه مسيطرًا على العراق بكامله ثم اتجه شمالاً فاحتل غرب إيران وجنوب الأناضول فبلاد الشام برمتها مؤسسًا إمبراطورية شاسعة وجدت آثار لتجارتها في البحرين والهند،[32] واستمرت الإمبراطورية الآكادية تحكم سوريا 120 عامًا وأرست نظامًا فيدراليًا، بيد أنها انهارت بسبب ضعف الملوك الذين خلفوا نارام سين حفيد سرجون الأكادي واجتياح الجوتيين ثم العيلاميون للبلاد عام 2230 قبل الميلاد.[33] وإثر زوالهم أواخر الألف الثالث قبل الميلاد عاد نظام المدينة الدولة من جديد، وبرزت الحضارة الكنعانية في الداخل السوري وامتدادها الساحلي ممثلاً بالحضارة الفينيقية،[34] وعلى الرغم من عدم توجدهم برئاسة ملك واحد وفي إطار دولة واحدة إلا أن الممالك الكنعانية والفينيقية شكلت أحلافًا بين بعضها البعض تحت قيادة مدن كبرى كانت أوغاريت عاصمتها في القرن الثامن عشر قبل الميلاد.[34] إلا أن حمورابي وهو سادس ملوك بابل استطاع إعادة بناء إمبراطورية تشمل الهلال الخصيب برمته، وسببت جيوشه اندراس عدة مدن وحضارات في سوريا أبرزها مدينة ماري.[35]
انهارت الإمبراطورية البابلية في القرن السادس عشر قبل الميلاد وتعرف القرون الخمسة تلت انهيارها باسم القرون المظلمة، إذ توالى على حاكم سوريا إمبراطوريات هندوأوروبية أبرزها الكاشية والحثية ورغم المصريون بالسيطرة على البلاد ونجحوا خلال حكم رعمسيس الثاني في احتلال جنوبها خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد.[36] مع زوال هذه الإمبراطوريات برز في القرن الحادي عشر قبل الميلاد الممالك الآرامية، كبيت آغوشي وآرام دمشق،[37] إلى أن استطاع شلمنصر الثالث في القرن التاسع قبل الميلاد توحيد الهلال الخصيب مجددًا ومؤسسًا بالتالي الإمبراطورية الآشورية والتي أعقب زوالها عام 612 قبل الميلاد قيام نبوخذنصر بالمحافظة على إمبراطورية شاسعة موحدة للهلال الخصيب هي الإمبراطورية الكلدانية.
مع انهيار الإمبراطورية الكلدانية عام 531 قبل الميلاد دخلت سوريا تحت حكم الفرس والذين منحوا البلاد حكمًا ذاتيًا كانت عاصمته دمشق، إلى أن برز الاسكندر المقدوني، وقد تميزت خلال تلك الحقبة اللغة الآرامية كلغة سوريا والهلال الخصيب في التخاطب، إلى جانب نبوغ عدد من العلماء في الطب والرياضيات والفلسفة والفلك،[38] إلى جانب التطور في العبادات الدينية وبروز عدد من الميثولوجيات التي يمكن استشفاف ذلك منها.[39]