إن الحديث عن مدينة الجزائر يقتضي بعدا يتجاوز الحدود الجغرافية لعاصمة الدولة التي ارتبط اسمها وتاريخها بتاريخ أكبر عواصم العالم ، فتسميتها أولا ، هي تسمية مجازية أطلقت على عاصمة دولة شبه قارة ، تبدأ من البحر الأبيض المتوسط ، وتنتهي بالبحر الرملي للصحراء الكبرى ، وتشكل بهذا شبه جزيرة يمتزج فيها التناسق بالتنافر والتنوع بالوحدة . وتكون نظاما متناظرا ومتعادلا، ولهذا استهوى المكان إنسان ما قبل التاريخ ليستقر بضواحيها.
شكلت مدينة الجزائر منذ الفترات العتيقة همزة وصل في التجارة العالمية ، كان منطلقها البحر المتوسط ، بواسطة المراكب ، حيث أسس سكانها مع التجار الفينيقيين المراكز التجارية الكبرى ، في الوقت الذي كان المكان يطلق عليه اسم " آرغل " التي تعني جزيرة الشوك ، أو جزيرة طيور النورس ، ثم الطريق الثاني أو طريق القوافل الصحراوية التي صارت تعرف بطريق الملح ، ثم طريق الذهب ، حيث أكدت المدينة منذ القديم أن الطريق هي مصدر المدن ومبعث الحركة التي أدارت عجلة الحضارة.
كان أول اسم عرف به سكان الجزائر هو " الليبيون أو اللوبيون " وقد جاء ذكرهم في الكتابات الفرعونية التي تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، ثم في تاريخ "هيرودوت " وعندما اختلط العنصر اللوبي بالفينقيين بعد سنة 814 ق.م أصبح يطلق عليهم اسم القرطاجيين ثم البونقيين فصار للمدينة تسمية جديدة قديمة وهي " إيكوسيوم " التي لها نفس المعنى باللغة الليبية البونيقية . ونظرا لملاءمة المكان للملاحة البحرية شتاء وصيفا (حيث كان ميناؤها يحمي السفن من الرياح الغربية ، بينما تتبادل المنفعة مع الميناء الطبيعي لتامنفوست الذي يقع على الجهة الشرقية من خليج الجزائر ، ( من الرياح الشرقية )فقد اتسع عمرانها ورقيت إلى مدينة بحلول القرن السادس قبل الميلاد ، حسبما تشير إليه المصادر الأثرية المادية ، لتنضم فيما بعد إلى حكم الماسيصيل الذي امتد نفذوها من الوادي الكبير إلى الغرب ، قبل أن ترتبط بالدولة النوميدية بتوحيد دولتي الماصيل والماسيصيل على يد الملك ماسينيسا ، وبعد صراع طويل بين الحضارة الشرقية والحضارة الغربية ، ألحقت المدينة سنة 202 قبل الميلاد تحت السلطة العسكرية الرومانية ، حيث عرفت مدن الشمال الإفريقي استعمارا استيطانيا أطلق عليه اسم "الاستعمار الثلاثي "الذي دام ثمانية قرون ( الاستعمار الروماني بين 146 ق.م - 492 م أصبح للمدينة مجلس شيوخ يحكمها ، وكانت بها أسقفية وكنيسة ، وقد حملت المدينة من حينها اسم " إيكوزيوم " أي الحفاظ على الاسم مع لاتينية الكلمة ، ودعمت بعدد من المعمرين الرومان ، مما سمح بإدخال الديانة المسيحية في حوالي القرن الرابع الميلادي . وما يمكن ذكره من أحداث تعاقبت على المدينة هو أن الثائر"فيرمس " الذي ثار ضد بطش الرومان استولى عليها في سنة 372 م.
وأثرت هذه الثورة في المدينة تأثيرا بالغا ، الوندالي 429/442 م هدموا المدينة 484 م لتدخل طي النسيان حتى آخر الفترة البيزنطية ( حيث لم يرد ذكرها بين القرنين الخامس والعاشر الميلاديين ) . دخلت مدينة الجزائر تحت حكم الخلافة الأموية فيما يعرف بحكم الولاة لشمال إفريقيا من سنة 702 إلى سنة 776 حيث انضوت تحت حكم الدولة الرستمية . ثم تحت حكم الدولة الفاطمية سنة 909 م ، وفي سنة 972 م . أعاد بولوغين بن زيري بن مناد أو بلكين ، بناء المدينة وحصنها ووسع مساحتها وأطلق عليها اسم "جزائر " بإضافة اسم القبيلة التي سكنت ضاحيتها ، فأصبحت تسمى " جزائر بني مزغنة " ، وصارت مشيخة تتمتع باستقلال إداري ، مع انتقال ولائها من دولة إلى أخرى بحكم أنها كانت بين فكي رحى ، تبعت دولة الحماديين 1014 م والمرابطين 1082 م والموحدين 1152 م والزيانيين 1316 م والمرينيين والحفصيين بالتناوب وبعد معارك سجال حتى سنة 1516 م.
بعد سقوط الممالك الأندلسية 1492 م وتنصيب محاكم التفتيش ، وبعد مؤتمر " تورديزيلاس " من نفس السنة وبإقرار عملية تقسيم العالم بين اسبانيا والبرتغال ، استولت اسبانيا على العديد من المدن الساحلية المغاربية ومن بينها جزيرة "اسطفلة " ( أو الصخرة الكبرى التي كانت تقع شرق الميناء الطبيعي لجزائر بني مزغنة ، ومن اسم هذه الصخور الصغيرة التي كان عددها أربعة ، اتخذت المدينة اسم الجزائر ) وفي خضم هذا التوسع شيدت اسبانيا ما يسمى بحصن الجزائر "البنيون دارخيل " الذي أصبح شوكة في قلب المدينة.
وكما كان سقوط الأندلس تحولا تاريخيا في أوربا ، كان الأثر البالغ في مدن الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ، لما له من انعكاسات على الأوضاع الاجتماعية ، الاقتصادية والثقافية ، ونظرا للعمل الجهادي الكبير الذي أظهره الإخوة "بارباروس " في الحوض الغربي من البحر المتوسط ، وخاصة بعد تحرير مدينة جيجل من الجنويين ، فقد كلف سالم التومي وعلماء وشيوخ المدينة بطلب العون من الخليفة العثماني السلطان سليم الأول الذي كان له الإشراف على الحرمين الشريفين . فوافق الخليفة على طلبهم وأرسل عددا من المدافع والمتطوعين لفك الحصار عن هذه المدن.
نتيجة لذلك ارتبطت الجزائر بالخلافة العثمانية، حيث اتخذها خير الدين عاصمة للدولة الجزائرية الحديثة سنة 1518 ووضع مخططا عمرانيا للمدينة لاستيعاب الأعداد الغفيرة من الأندلسيين والمتطوعين من شباب الأناضول والبلقان إذ دام هذا المخطط 40 سنة ليمتد عمرانها نحو الجنوب ، وبعد حملات عسكرية اسبانية على مدينة الجزائر سنتي 1516 و 1519 حاصر خير الدين الميناء وهدم برج الصخرة سنة 1529 وشيد مكانه الفنار أو المنارة التي كانت تحمي المدينة بطوابقها الخمسة ، ومد الرصيف الذي يحمل اسمه إلى اليوم .لكن الإمبراطور الاسباني " شارل الخامس " لم يهضم هذا الإخفاق ونظم حملة انتقامية سنة 1541 بمشاركة جيوش مالطية وإيطالية وألمانية واسبانية فكان انكسار الحملة في الجزائر إيذانا بنهاية الإمبراطور نفسه ، ولهذا أطلق المسلمون والأوربيون على المدينة عدة أسماء منها : الجزائر المحروسة ، دار الجهاد ، عش القرصنة ، مدينة الألف مدفع ، البيضاء ، البهجة ، وبلاد سيدي عبد الرحمان ، بما أن الجزائر لم تتبع السلطنة العثمانية بقدر ماتبعت الخلافة الإسلامية .إذ كان الحكم فيها عسكريا تيوقراطيا يسيره مجلس الدولة أو الديوان الصغير ، ومجلس الحكومة أو المجلس الكبير ، فإن هذه الفترة قد شهدت عدة مراحل منها : مرحلة البايلرباي 1518 - 1588 حيث كان يعين من قبل الباب العالي ثم مرحلة الباشوات التي تمتد من 1588 إلى 1619 حيث جسدت انقلاب القيادة البحرية أو طائفة الرياس على السلطة المركزية واقتصر التمثيل رمزيا ودينيا فقط حيث أصبح السلطان يبارك للمنتخب من طرف الأوجاق أو للمعين بإرساله القفطان رمز القيادة .بينما تشكل مرحلة 1619 - 1716 المرحلة التي رد فيها الاعتبار للجيش البري . وأخيرا فترة الدايات التي استقلت فيها الجزائر نهائيا عن الخلافة العثمانية.
من بين الحملات التي شنتها القوى الأوربية متحدة تارة ومنفردة أخرى 24 حملة ، كان نصيب الجزائر منها 18 حملة تزعمتها اسبانيا ، فرنسا ، إيطاليا ، هولندا ، الدانمارك ، بريطانيا وأمريكا .غير أن فرنسا اتخذت من حادثة المروحة المفتعلة ذريعة لاحتلال الجزائر في 5 جويلية 1830 بقيادة الجنرال الفرنسي دي بورمون حيث سقطت المدينة في يد الجيوش الفرنسية . وبعد استفاقة أعيان المدينة من الصدمة الكبرى تكونت بشرق المدينة وفي برج تامنفوست أول تنظيمات المقاومة في 25 جويلية 1830 لتمتد شرقا وغربا في مقاومة عرفت تحت اسم المقاومة الشعبية . وكانت من الإرهاصات الكبرى لقيام " معركة الجزائر" سنة 1957 م.
يزين مدينة الجزائر 18000 بستان وحديقة ضمت معظم أنواع الفواكه والعطريات ويتوجها سهل متيجة الذي تتلون مشاهده الطبيعية بتعاقب الفصول ويزيد في روعة مدنه وضياعه قنوات الري وخطوط المواصلات ومحطاته المتمثلة في الآبار والعيون التي أدرجت على قائمة التراث الوطني ، وهذا الجمال الطبيعي الخلاب استهوى جميع من زار الجزائر من رحالة وفنانين وتجار وقناصل ، فسجلوا انطباعاتهم في مذكرات أو يوميات صارت من المصادر التي تؤرخ لمدينة مصنفة على قائمة التراث العالمي كمدينة أهدت للإنسانية روحها وقيمها الجمالية والمعمارية والأثرية ومجمل الفنون التي ارتبطت بعادات وتقاليد أهلها ، وبعد استعادة الدولة الجزائرية للسيادة الوطنية استرجعت مدينة الجزائر دورها كاملا كعاصمة للدولة الجزائرية