الإشادات الوضِيئة بالإفادات المُضِيئة .
محمد المبارك
11-Feb-2009, صباحاً 10:00
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء و المرسلين ، نبينا محمد و على آله وصحبه اجمعين..
و بعد ، فقد أتحفنا الشيخ الفاضل الدكتور خلدون الحسني بقلمه الماتع و اسلوبه البارع ـ خلال ثمانية اشهر تقريباً ـ بتحفة تاريخية أسماها "ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر" جاءت في حلقات متسلسلة ، فأبدع فيها فأجاد و أفاد ـ حفظه الله و نفع بعلومه ـ .
فأمتعنا بكثير من المباحث التاريخية التي تدل على فضل و تمكن وحسن انتقاء ودقة اختيار ، و من أخصبَ تخيَّر .
ولي حول تلكم المباحث وقفات واستفسارات ـ وان عرضتُها باسلوب التقرير فذلك من لوازم الإنشاء و أصول التحرير ـ أورِدها ـ شاء الله ـ في حلقات ، نظرا لاشتغال البال و تضايق الأوقات .
فلعلَّ صدر الشيخ يتَّسع لتلكم الاستفسارات ،فيفيدني عنها ـ إن رأى ذلك ـ بعد انتهاء تلكم الإيرادات ، و فقه الله لما يحب ويرضى ، و أحسن لنا جميعاً الاعمال و النيات ، و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
محمد المبارك
13-Feb-2009, مساء 01:35
الوقفة الأولى :
يقول الشيخ الدكتور خلدون مكي الحسني حفظه الله
الحلقة الأولى
وقبل أن أبدأ بالرد على مغالطات صاحب المقال ، أود أن أبدأ بمسألة ذكَرَها صاحب المقال معتمدًا عليها ؛ ويذكرها بعضُ من خاض في عرض الأمير عبد القادر ويظنون أنها ثابتة أو صحيحة ويبنون عليها أحكامهم ، ويبالغ بعضهم كاذبًا فيقول إنها متواترة!! ويحاول البعض أن يدلّس على الناس فيوهمهم أنّ بعض علماء الحديث الكبار في عصرنا هذا ؛ قد أثبتها!!
وهذه المسألة هي ما رواه عبد الرحمن الوكيل في المقدمة التي كتبها لكتاب الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) نقلاً عن الصفحة الأولى من نسخة الشيخ محمد نصيف الذي أهدى هذا الكتاب إلى الشيخ محمد حامد الفقي ليطبعه حيث قال: وقد كتب الشيخ الجليل محمد نصيف على نسخته ما يأتي : "أقول أنا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف: سألت السائح التركي ولي هاشم عند عودته من الحج في محرم سنة 1355هـ عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على ابن عربي ، وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة ؟ فقال: قد سعى الأمير السيد عبد القادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة ، وطالعها كلها ، ثم أحرقها بالنار ، وقد ألف الأمير عبد القادر كتاباً في التصوف على طريقة ابن عربي . صرّح فيه بما كان يلوّح ابن عربي ، خوفاً من سيف الشرع الذي صرع قبله:" أبو الحسين الحلاج " ، وقد طبع كتابه بمصر في ثلاث مجلدات ، وسماه المواقف في الواعظ والإرشاد ، وطبع وقفاً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله" .انتهى [ص14]
وأقول : إذا كان ما رواه الوكيل عن الشيخ محمد نصيف صحيحًا ، فإننا مع احترامنا للشيخ محمد نصيف ولمنزلته ، لا يمكن أن نقبل هذا الكلام لأنه كلام غير مقبول أبداً وليس علمياً ولا منطقياً!!
فأقول هَب أيها القارئ الكريم أن هذه القصة غير ثابنة .
بل هَب أن كلاً من الشيخين الفاضلين محمد نصيف و عبدالرحمن الوكيل لم يُخلقا أصلاً .
فخلافنا ـ جميعاً ـ مع أهل وحدة الوجود ثابت .
والقصة إذا ثبتت إنما تدل على محاربة الأمير عبدالقادر لتراث شيخ الاسلام رحمه الله ، و هذا ليس بشيءٍ في مقابل ثبوت اعتناق الأمير عبدالقادر لعقيدة وحدة الوجود ، و الذي سيأتي البحث عنه في مبحثٍ قادم ان شاء الله .
وهذا سيحتاج الى مقدمة بسيطة عن عقيدة وحدة الوجود.
عقيدة وحدة الوجود :
و حتى نكون ـ جميعاً ـ محايدين أشدَّ الحياد فليكُن احد مشاهيرالصوفية هو الذي يعرِّف لنا
عقيدة وحدة الوجود.
يقول الشيخ أحمد السرهندي ـ و هو من مشاهير المتصوفة ، و ممَّن رُمِي بوحدة الوجود ، و قد دافع عنه الشيخ ابوالحسن الندوي ، إلاَّ أنه أثبت أنه من أرباب وحدة الشهود فقط ـ :
فأهل الوحدة يعتقدون أنه لا وجود إلا الوجود الواجب، وهو وجود واحد لا يتعدد ولا يتكثر، وأما العالم فهو موجودٌ بنفس وجود الله، لا بإيجاده، بمعنى أن العالم إنما هو صورة ومظهر للوجود الإلهي، ولم يحدث وجود العالم بعد عدمه، بل الحادث عندهم إنما هو صورة العالم بعد عدمها، والصورة عين المظهر الإلهي، ولذلك يقولون إن الله تجلى لنفسه.
"دفتر المكتوبات الثانية من المكتوبات الربانية لشيخ أحمد السرهندي " (ترجمة العربية مكتبة الحقيقة / اسطنبول – تركيا).
و تتلخص عقيدة وحدة الوجود فيما يلي :
• أن الكون عين أعيان الثابتة (صورة العلمية)
• و أعيان الثابتة عين علم الله و الله (التي هي صفة لباري تعالي)
• و العلم الله و الله عين ذات الله و الله لهذا الكون عين ذات الله و الله و اصطلحوا له مصطلح وحدة الوجود.
وحسب التعريف الذي ارتضته الندوة العالمية للشباب الإسلامي:
فوحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرونه – تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.