تشير المعطيات المتوافرة عن مشكلة البطالة في الوطن العربي إلى أن هذه المشكلة آخذة في التنامي سنة بعد أخرى، و أن جميع المعالجات التي رصدت لحل هذه المشكـلة من قبل الدول العربيـة باءت بالفشل الذر يع و ذلك لعدة أسباب مختلفة.
على الرغم من التأثيرات السلبية لمشكلة البطالة على الاقتصاديات العربية إلا أنها لم تبرز بشكل واضح حتى الآن رغم أن الحجم الحالي للبطالة تعتبر مثيرا للقلق، حيث أنه يسبب خسائر اقتصادية كبيرة ناهيك عن انعكاساته الاجتماعية.
2 ـ 1 ـ الآثار الاقتصادية
على الرغم من أن التأثيرات السلبية لظاهرة العولمة على الاقتصاديات العربية ومشكلاتها الكثيرة ومن ضمنها البطالة لم تظهر بشكل مباشر حتى الآن، إلا أن الحجم الحالي للبطالة يبعث على القلق أيضاً ويسبب خسائر اقتصادية كبيرة.
وفقًا للتقارير الرسمية العربية، ومن بينها التقارير الصادرة عن منظمة العمل العربية، أن هناك مؤشرات على اتساع هذه المشكلة وقصور العلاجات التي طرحت حتى الآن، سواء على المستوى القطري أو المستوى العربي؛ فتقارير المنظمة لسنة 1999 تشير إلى إن عدد الشبان العرب العاطلين عن العمل يبلغ نحو 12 مليون شخص يشكلون ما نسبته 14% من القوة العربية العاملة التي تبلغ في الوقت الحاضر نحو 98 مليون شخص. وقد أكد الأمين العام لمنظمة العمل العربية أن هناك 12 مليون شاب عربي عاطل عن العمل، في حين يعمل 6 ملايين أجنبي في الوطن العربي، كما أشار إلى وجود أكثـر من 300 مليار دولار يستثمرها العرب خارج الأقطار العربية، مضيفا أنه لو تم استثمار هذه الأموال في الوطن العربي لتم تشغيل نسبة كبيرة من اليد العاطلة ، والحد من الخسائر السنوية التي تتكبدها الدول العربية(39).
توقع الأمين العام لمنظمة العمل العربية أن يصل عدد الباحثين عن فرص عمل في المنطقة العربية سنة 2010 أكثر من 32 مليون شخص، وأضاف أن عدد السكان النشطين اقتصادياً سيرتفع من 98 مليون شخص حالياً إلى نحو 123 مليوناً سنة 2010(40). ومما يزيد في خطورة ظاهرة البطالة ارتفاع معدلاتها السنوية التي تقدرها الإحصاءات الرسمية بنحو 1.5% من حجم قوة العمالة العربية في الوقت الحاضر، تشير نفس الإحصائيات(41) إلى أن معدل نمو قوة العمل العربية كانت خلال الأعوام 1995، 1996 و 1997 نحو 3.5%، ارتفع هذا المعدل إلى نحو 4% في الوقت الحاضر، وإذا كانت الوظائف وفرص التشغيل تنمو بمعدل 2.5% سنوياً، فإن العجز السنوي سيكون 1.5% وعليه فإن عدد العمال الذين سينضمون إلى العاطلين عن العمل سنوياً سيبلغ نحو 1.5 مليون شخص.
يذكر أن منظمة العمل العربية تقدر أن كل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1% سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5%، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة إلى 1.5 %، سيرفع فاتورة الخسائر السنوية إلى أكثر 170 مليار دولار. وهذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل، وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلى ربع حجمها الحالي. ومما سيساهم في زيادة معدلات البطالة مستقبلاً، وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية والمصدرة للعمالة(42).
كما أن إحالة الكفاءات العربية ذات التكوين العالي في بعض البلدان العربية و التي تشغل مناصب عمل سواء كانت غير مناسبة لتكوينهم أو لسبب أنهم يعتبرون بمثابة عاطلين يتلقون مقابلا لا يتعدى ما تمنحه الدول المتقدمة كمنحة للعاطلين، من النتائج الخطيرة لهجرة الكفاءات العلمية في فقدان الوطن لإمكانات هذه الكفاءات العلمية والفكرية والتربوية التي انفق على تعليمها وإعدادها أموالا وجهودا كبيرة، حيث تؤدي هذه الهجرة لإعاقة عملية التقدم، وإبطاء حركة التنمية وإضعافها في هذه الدول.
تزايدت هجرة العقول العربية في العقود الثلاثة الأخيرة لأسباب كثيرة منها عدم توفير الظروف المادية والاجتماعية التي تؤمن مستوى لائقا من العيش بالإضافة إلى ضعف الاهتمام بالبحث العلمي وعدم وجود مراكز البحث العلمي المطلوبة.تقدر دراسة حديثة صدرت في دمشق إلى أن الخسارة الاقتصادية للدول العربية بسبب هجـرة عقولها بـ 1.57 مليار دولار سنويا(43)، وجاء في ذات التقرير أنه وفي الوقت الذي تدفع فيه الأوضاع المعيشية والعلمية والاجتماعية إلى هجرة الأدمغة العربية، فان دول الغرب والولايات المتحدة تسعى لاستقطاب هذه الأدمغة من خلال تقديم الإغراءات المادية والحياتية الكبيرة، لكي توظفها في خدمة البحث العلمي والصناعي، وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة هذه الدول التي تسعى بجميع الوسائل للاحتفاظ باللامعين من العقول الأجنبية المتخرجة من جامعاتها، وإذا كانت الدول التي تشهد هذه الهجرة تحقق فائدة من تحويلات المغتربين في الخارج إلى ذويهم، وقد تصل هذه العائدات إلى مبالغ كبيرة كما هو الحال في اليمن ومصر ولبنان، فإن سلبيات هذه الهجرة تبقى اكبر بكثير.
2 ـ 2 ـ الآثار الاجتماعية
تبرز إلى السطح ظاهرة من اخطر الظواهر الاجتماعية في الدول العربية المتمثـــلة في البطالة وإفرازاتها الأمنية وانعكاساتها النفسية على العاطلين، الأمر الذي يتطلب معالجة سريعة ووضع برامج قصيـرة وطويلة الأجل لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين قبل أن تستفحل الظاهرة و يستعصي حلها.إن أهمية هذه القضية تأتي بلا شك من أهمية ظاهرة البطالة نفسها وما يترتب عليها من آثار جسيمة ذات مساس ببنية المجتمــع .
تشيــر الدراسـات(44) أنه يمكن للبطالة تؤثر في مدى إيمان الأفراد وقناعتهم بشرعية الامتثال للأنظمة والمبـادئ والقواعــد السلوكية المألوفة في المجتمع. وبذلك فإن البطالة لا يقتصر تأثيرها على تعزيز الدافعية والاستعداد للانحراف، إنما تعمل أيضا على إيجاد فئة من المجتمع تشعر بالحرية في الانحراف. و وفقاً لهذه القناعة والإيمـان فإن انتهاك الأنظمة والمعايير السلوكية العامة أو تجاوزها لا يعد عملاً محظوراً في نظرهم، لأنهم ليسوا ملزمين بقبـولها أو الامتثال لها. واتساقاً مع هذه النتائج تشير دراسة أخرى إلى أن الفقر والبطالة يــؤديان إلى حالة من شعور الرفض والعداء تجاه المجتمع وعدم الإيمان بشرعية أنظمته والامتثال لها، مما يؤدي إلى الانحراف والسلوك الإجرامي، وبخاصة فيما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس، ويعزز هذا الافتراض ما أشارت إليه دراسة عن حالة البطالة في المملكة العربيـــة السعودية إلى أن الفـرد العاطل قد يصاب بفقدان الشعور بالانتماء إلى المجتمع حيث يشعر بالظلم، الذي قد يدفعه إلى أن يصبح ناقمــا على المجتمع. لذا فإن ضعف الضوابط الأسرية وتأثير القيم العامة الذي ينتج من ارتفاع نسبــة البطالـة في المجتمع يؤدي إلى ضعف الاستعداد والقابلية للامتثال والتكيف مع الأنظمة والضوابط الاجتماعية، وهذا الوضــع يكون سبباً رئيساً في زيادة نسبة الجريمة خاصة جرائم الاعتداء على الأملاك.
كما أن البطالة تؤدي إلى انخفاض أواصـر الروابـــط التي يحملها الناس تجاه المؤسسات الرسمية والأنظمة والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمـع، كمـــا أنها تحـــد من فاعلية سلطة الأسرة بحيث لا تستطيع أن تقوم أو تمارس دورها في عملية الضبط الاجتماعي لأطفالها. أضـف إلى ذلك أن حالة البطالة عند الفرد يمكن أن تخلق كثيرا من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن كثيرا من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية. فمثلا يتسـم كثير من العاطلين بعـدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهم .
تعد البطالة المصدر الرئيسي لمشكلة الفقر وزيادة أعداد الفقراء، جاء في دراسة علمية أعدتها الجامعة العربية ونشرتها بعض الصحف، أن نسبة الفقر في الدول العربية تزداد بمعدل 1.7%، سنوياً، بحيث يعيش ما نسبته 36% من سكــان الـدول العربية تحت خط الفقر و أن نصيب الفرد من الدخل في الدول العربية لا يتعدى 1500 دولاراً سنوياً(45).
تؤكد الدراسات الاجتماعيــة إلى أهمية دور رأس المال العربي في القضاء على معدلات الفقر المتزايدة، مبينة أن استثمار جــزء يسير من الأمـوال العربية المهاجرة خارج البلاد العربية تكفل القضاء على الفقر العربي. تشير كافة التقارير والبيانات الإحصائيـة إلى أن أزمة البطالة بدأت التنامي والتوسع وسط مجتمعات عربية متعددة كالعراق، فلسطين ،الجزائر ،مصر وسورية، ولم تعـد تنفع معها سياسات التجاهل والتغاضي السابقة. كما أن الأحداث والتطورات المتسارعة وحالة عدم الاستقـــرار التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ساعدت على زيادة تفاقم أزمة البطالة بالمنطقة. ناهيك عن مشكلة الهجرة الواسعة غير الشرعية التي تشهدها بعض الدول العربية بسبب عجزها عن توفير فرص عمل للأعداد المتزايدة الداخلة إلى سـوق العمل.
حسب تقديرات تقرير منظمة العمل الدولية، اتسعت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشكل ربما يفوق الهجــرة المماثــلة في التجارب الأخرى، وذلك على رغم شدة القيود المفروضة على الهجرة، مما ولد ظاهرة سميت بقوارب الموت التي تحمل المهاجرين خاصة من دول شمال إفريقيا إلى الضفة الأوربية أملا في العثور على وظيفة في هذه الـدول لكن هذه القوارب تحولت إلى مصدر للمآسي خاصة بعد الإنتشالات المتكررة لجثث المهاجرين غير الشرعيين من عرض البحر الأبيض المتوسط .ويُتوقع أن تستمر محاولات تهريب المهاجرين والإقامة غير الشرعية رغم القيود التي تزداد شدة.
رابعا : جهود و مقترحات لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي
تجاه وضع البطالة في البلدان العربية تطرح جملة تساؤلات نفسها بإلحاح، و هي تشكل تحديات جدية في الوقت الحاضر و المستقبل أمام أسواق العمل العربية، و إذا كانت هذه التحديات قد أصبحت واضحة للعيان، فلا بد من التساؤل حول ما أنجزته الدول العربية للخروج من مأزق البطالة و مواجهة تيارات العولمة و اتجاهاتها ضمن استراتيجيات علمية و واقعية لرفع مستوى العمالة الكمي و النوعي في الوطن العربي، سيتم ذلك من خلال تناول النقطتين التاليتين :
- الجهود العربية للتصدي لمشكلة البطالة؛
- المقترحات المقدمة لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي .
1 ـ الجهود العربية للتصدي لمشكلة البطالة
تعد ظاهرة البطالة و خاصة في أوساط الشباب العربي من التحديات الراهنة، لما يترتب عنها من نتائج سلبيــة، و هذا ما يتطلب التزاما سياسيا للقضاء على البطالة كأولوية وطنية و عربية، و هذا الصدد سنتناول نوعي الجهود العربية المبذولة في هذا الشأن للتصدي للظاهرة و المتمثلة فيما يلي :
- الجهود الفردية ؛
- جهود منظمة العمل العربية للنهوض بالتشغيل و الحد من البطالة .
1 ـ 1 ـ الجهود الفردية
تبذل الدول العربية جهودا منفردة للحد من تفاقم مشكلة البطالة، و لكنهــا في نظـر المختصين تعتبر غير مجدية حتى الآن، ففي مصر(46) تركزت الجهود في تشغيل الشباب بتمويل من الصندوق الاجتماعي للتنمية، و رصدت له الدولة اعتمادات مالية كبيرة نصفها من موازنتها العامة، و انصب اهتمام الصندوق على دعم الصناعات الصغيرة و المتوسطة، إلى جانب تنفيذ مشاريع لصالح الخريجين بتمكينهم من أراض زراعية مستصلحة .
أما في الأردن، فقد بذلت الحكومة جهودا مضنية لتشغيل الشباب رغم شح الموارد المالية و ذلك عن طــريق صندوق التنمية و التشغيل، كما تعمل جهات أخرى على دعم هذا الاتجاه و منها صندوق المعونة الوطنية، صنــدوق الزكاة و صندوق الملكة عالية للعمل الاجتماعي و التطوعي، غير أن إسهاماتها بقيت محدودة للحد من اتساع حجم ظاهرة البطالة في هذا البلد(47).
و في تونس فتم اعتماد برنامج عمل منذ سنة 1998 خاص بتنفيذ عقود تربط بين التدريب و التشغيـــل، و استفـاد منه قرابة 60% من ذوي التعليم المتوسط و 38% من ذوي التعليم العالي.و في نفس السياق اعتمدت معظـم دول الخليج العربي على إعادة تنظيم توظيف الوطنيين بجهود نشطة، و وضع إجـراءات لتحفيز القطاع الخاص على تشغيل المواطنين بدلا من الأجانب، و التي تقدر الإحصائيات عددهم بحوالي 9 مليون عامل(48).
في الجزائر فقد اتخذت الدولة عديدا من الإجراءات للتخفيف من ضغوط سوق العمل(49)، و التي تجسدت من خلال البرامج الخاصة بتشغيل الشباب التي ورثت عن نظام سابق له يسمى الإدماج المهني لسنة 1990 و الهـدف منــه هو توفير منصب مؤقت للشاب العاطل و هذا لتخفيف ضغوط سوق العمل، تقليص البطالـة، تخص الشبـــاب العاطـل و مساهمة الجماعات المحلية في خلق الوظائف. وكانت هذه الترتيبات ترمي إلى مساعدة الشباب البطالين في اكتساب خبرة مهنية خلال مدة تتراوح من بين 3 إلى 12 شهر، ثم تتولى الجماعات المحلية توظيف هؤلاء الشباب على أن تتلقى المعونة المالية من الصندوق الخاص بالمساعدة على تشغيل الشباب منذ سنة 1996 ثم الصندوق الوطني لدعم تشغيل الشبـاب. إضافة للصندوق الوطني للتأمين على البطالة الذي أنشأ سنة 1994 وهدفه حماية العمـال المسرحين لأسباب اقتصادية خلال فترة مؤقتة قدرها ثلاث سنوات، ناهيك عن اعتماد فكرة خلق المؤسسات المتوسطة و الصغيرة التي وضعـت خصيصا لدعم فئة الشباب الراغبين في إنشاء مؤسسات، وكذا العمال الذين تعرضوا لتسريح لأسباب اقتصادية ووضـع عمليا سنة 1997، و يموله الصندوق الوطني لدعم تشغيل الشباب، وتسيره الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، وخلال سنة 2003 تم توظيف 538 ألف عامل وتم إنشاء حوالي 190 ألف مؤسسة مصغرة، وتساهم بـ 7 % في القيمة المضافة.
كما تبنت الجزائر برنامجا خاصا بالتشغيل سنة 1998 سمي بعقود ما قبل التشغيل و الذي وجه لحاملين الشهادات الجامعية والتقنيين السامين(50)، وكذا طالبي العمل بدون خبرة مهنية والذين يطلبون العمل لأول مرة، ويتلقى المستفيد من هذا البرنامج خلال فترة 12 شهرا مقابل من طرف الدولة قدرا بداية بـ 6 آلاف دينار ثم عدل إلى 8 آلاف دينار جزائري فيما بعد بالنسبة لخرجي الجامعات أما التقنيين السامين فيتقاضوا مبلغ قدر 4500 دينار ويستفيدون من التغطية الاجتماعية. و رغم أهميته إلا أن الشباب يعرف صعوبات كبيرة في سبيل الحصول على هذا النوع من العقود وإن حصل على هذا العقد فإن هناك صعوبات في توظيفه بعد انتهاء العقد بصفة دائمة. إن الإجراءات المتخذة لتخفيف ضغوط سوق العمل في الجزائر تدخل في إطار اجتماعي تضامني من خلال منحة الشغل هذه والتي رغم أهميتها مقارنة بالظروف التي عرفتهــا الجزائر المتسمة بطابع غير متوازن من حيث غلق المؤسسات وتسريح العمال إلا أنها في عمومها ظهرت عاجزة وغير دائمة إضافة إلى أن الدولة أنفقت عليها مبالغ طائلة في الوقت الذي ما تزال فيه البطالة تشكل تحدي اجتماعي كبير للاقتصاد الجزائري .
1 ـ 2 ـ جهود منظمة العمل العربية للنهوض بالتشغيل و الحد من البطالة
إيمانا منها بما سيحققه التعاون و التكامل في ميدان العمل من ضمان حقوق الإنسان العربي، فقد بادرت المنظمة منذ نشأتها و ضمانا منها لتحقيق أهدافها القومية من خلال كافة الهياكل التابعة لها و بالأساليب و الوسائل المتاحة لها لأجل تفعيل أنشطتها و برامجها على المستويات القطرية، الإقليمية، العربية و الدولية .
تعتبر منظمة العمل العربية القوى العاملة إحدى أهم مقومات التطور الاقتصادي لأي دولة بغض النظر عن نظامها السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي و الثقافي، و بالتالي حري بها أن تستهدف خطط و برامج التنمية العربية تعبئة الموارد البشرية و تطوير كفاءتها و استغلالها بأفضل ما يمكن، و لا يتم ذلك إلا في إطار نظرة شاملة لعملية التنمية.
قد اتسع مفهوم تنمية القوى العاملة العربية من مجرد إعداد القوى العاملة وفقا لاحتياجات سوق العمل ليشمـل التأمينات الاجتماعية و الصحة و السلامة المهنية و الرعاية الاجتماعية و التثقيف العمالي، و قد احتلت المرتكزات السابقة أولوية متقدمة في اهتمامات و انجازات و نشاطات المنظمة و ذلك لأجل المساهمة في الحد من تفاقم معـدلات البطالـة
و تطوير أساليب التشغيل و تنقل العمالة بين البلدان العربية. باعتبار أن الموضوعات المتعلقة بتنمية الموارد بجميع أشكالها يمثل رافدا لقضايا التشغيل و مساعدا مهما في ردم الفجوة بين الإختلالات الناشئة نتيجة وجود فوارق بين مخرجــات التعليم و التكوين المهني من جانب و احتياجات سوق العمل من جانب آخر.
بدأت اهتمامات منظمة العمل العربية بوضع استراتيجيه عربية لتنمية القوى العاملة(51) في وقت مبكر حيث كانت ضمن بنود جدول أعمال الدورة الرابعة لمؤتمر العمل العربي (طرابلس 1975 ) ، ثم جاءت كاستجابة مباشرة لإستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك ( قمة عمان 1980 ) فناقش مؤتمر العمل العربي موضوع إستراتيجية تنمية القوى العاملة على مدى ثلاثة دورات وصولا إلى إقرارها في دورته الثالثة عشرة ( بغداد 1985 ).( 44)
ومع تفاقم مشاكل البطالة في الوطن العربي تزايدت عناية مؤتمر العمل العربي بالقضايا المتعلقة بالتشغيل(45)، حيث تم إقرار الإستراتيجية العربية للتشغيل في الدورة العشرين لمؤتمر العمل العربي ( عمان 1993 ) . تواصلت عناية منظمة العمل العربية بقضايا تنمية القوى العاملة العربية والتشغيل، وذلك من خلال إدراج موضـوع " تنمية المـوارد البشرية في مواجهة البطالة " ضمن بنود جدول أعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر العمل العـــربي ( القاهرة 1999 ) لاتخاذ ما يراه مناسبا في هذا الشأن. و قد نتج عن دراسة اللجنة الفنية التي تم تشكيلها من بين أعضاء المؤتمر العام للبند التاسع من جدول أعماله تحت عنوان " تنمية الموارد البشرية في مواجهة البطالة " التوصــل إلى إصدار العديد من التوصيات بخصوص تنمية الموارد البشرية العربية.
تم إعداد مشروع الإستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة والتشغيل من خلال الخطوات التي اتخذها مكتب العمل العربي عبر عدة جولات ماراطونية (52)، بدءا بأعمال الدورة الثامنـة و العشرين لسنة 2001 و انتهاء بالدورة الثلاثين لمؤتمر العمل العربي بتونس سنة 2003 والذي تم فيه إقرار الإستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة و التشغيل واعتبارها إلزامية لمنظمة العمل العربية في إطار خطط وبرامج عملها المستقبلية ، وعدت بمثابة قاعدة استرشادية مشتركة لخطط التنمية القطرية في المجال الاجتماعي خاصة و مرجعا رئيسيا للجهود غير الرسمية والثنائية وشبه الجماعية في المجال الاجتماعي. و عموما فقد تم التركيز من خلال الإستراتيجية العربية لتنمية القوى العاملة والتشغيل على ضرورة وأهمية تحقيق التوازن بين مخرجات التعليم الفني والتدريب المهني ومتطلبات واحتياجات سوق العمل.
2 ـ المقترحات المقدمة لحل مشكلة البطالة في الوطن العربي
تعد البطالة بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار في العالم العربي، و أيا كانت التجارب العربية للتصدي لها فإن المطلوب هو وضع إستراتيجية وطنية و عربية شاملة آخذة بعين الاعتبار الإجراءين التاليين:
- إجراءات الأجل القصير و المتوسط ،
- إجراءات الأجل الطويل.